بدو تونس.. أشخاص لا يستعملون وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يتابعون برامج التلفزيون ولا يعرفون اسم رئيسهم الحالي، وليس لديهم أدنى فكرة عن الوضع السياسي والأمني والاقتصادي داخل بلادهم، رغم أنهم يعيشون بالقرب من العاصمة تونس، إلا أنهم اختاروا العيش خلف أسوار الحضارة، يفترشون الأرض ويلتحفون بصفاء السماء، يرتحلون من مكان لآخر باحثين عن مراعي جيدة لمواشيهم، ويظلون متنقلين طوال العام بين الشمال الغربي والجنوب والوسط، إذ تبدأ رحلتهم الصيفية نحو شمال غرب تونس في أوائل شهر يونيو، ويرتحلون نحو الجنوب في بداية شهر سبتمبر، ولا يعرفون حياة أخرى.. غير حياة الترحال.

تعيش إيمان مبروكي (17 عاماً) مع عائلتها في إحدى الخيم منذ صغرها، فلا تذكر أنها سكنت بيتاً بجدران أسمنتية، ولا دخلت المدارس مثل أقرانها، فلقد فتحت عينيها ووجدت أهلها يربون الماشية، وتقول: «نعيش ستة أشهر في جنوب ووسط البلاد، وستة أشهر أخرى نتنقل بين الشمال والشرق، بحثاً عن مراعي جيدة للمواشي التي نملكها، والتي يقدر ثمنها بآلاف الدنانير التونسية، أي أن وجودنا هنا ليس بدافع الفقر أو الحاجة، بل لأننا اخترنا البعد عن الحضارة، وفضلنا حياة البداوة البعيدة كل البعد عن التجاذبات السياسية والأمنية وغيرها». أما سماح فرحات (43 عاماً) تقول أنها عاشت حياة البداوة بعد زواجها، حيث اقترح عليها زوجها أن تعيش مع عائلته بهذه الطريقة، وقد وافقت فوراً لأنها كانت بحاجة إلى العيش من دون التزامات يومية، بحسب ما عبرت، وتضيف: «على الرغم من قساوة الطبيعة وحرارة الجو، وعدم وجود أبسط مقومات الحياة اليومية والرفاهية اللازمة، إلا أننا نعيش بسعادة وحب».

البعد غنيمة
عن كيفية قضاء يومهم الاعتيادي، يقول رمزي فرحات: «نسرح مواشينا في الصباح الباكر نحو المراعي، ونحرسها ونؤمن مياه الشرب لها، حتى موعد وقت الغروب، ثم نجتمع أمام الخيام ونطبخ ونغني ونتكلم وأحياناً نستمع للمذياع لمعرفة أخبار البلاد، لكن في المجمل نحن نعيش بسعادة لأننا بعيدون كل البعد عن مشاغل العالم، فالبعد غنيمة». وحول الصعوبات الحياتية التي تعترضهم، خاصة وأن خيامهم عامرة بالأطفال الصغار. تقول سماح: «حياتنا البسيطة لا تتطلب الكثير من المتطلبات، إذ إن أطفالنا يأكلون زيت الزيتون ويشربون حليب الناقة، وجبن الماعز، ولحم الخرفان، وكلها مأكولات صحية، تجعل الأطفال أقوياء البنية، ولم يسبق أن اعترضتنا مشاكل صحية، فالأطفال تأقلموا مع الحياة، يجرون وراء العقارب ويقتلونها ويساعدوننا في تربية الماشية، ويحلبون (النياق) معنا وهم تربوا على أن يكونوا أقوياء وصبورين».

مداخيل
حول مداخيلهم المادية، تقول الجدة مباركة (82 عاماً): «نبيع المواشي طوال العام، لكن عملية البيع تزدهر مع اقتراب موعد عيد الأضحى المبارك، وأحياناً نبيع ما بين 500 و600 رأس غنم، وهي تجارة مربحة جداً تضمن لنا سنة مرفهة مادياً، إلا أن طريقة عيشنا لا تتطلب الكثير من المصاريف، فنحن لا نذهب للبحر، ولا نشتري الكثير من الملابس، ولا نفكر في فواتير الكهرباء والغاز والماء، كما أننا لا نحتاج للأطباء، فنحن نداوي أنفسنا بأدوية تقليدية معتمدين بها على نباتات وحشائش».

طب بيطري
يملك بدو تونس خبرة طويلة في الطب البيطري، حيث تؤكد الحاجة مبروكة أنهم يعتمدون على أنفسهم في مداواة مواشيهم أيضاً، وتضيف: «نعرف كل الأمراض التي تصيب المواشي من خلال الخبرة الطويلة في التعامل معها، ونحضر أدوية خاصة بنا تعتمد على المواد الطبيعية، ومن النادر جداً أن نعتمد على أدوية الصيدليات البيطرية، وفقط في حالة التلاقيح عن الحمى القلاعية واللسان الأزرق».

يرفضون صخب المدن
يقول الباحث في علم الاجتماع نزار ماجول، إن بدو تونس اختاروا العيش بعيداً عن ضوضاء المدينة على الرغم من توافر الإمكانات المادية لديهم، حيث يعتمدون على تربية الأغنام كنشاط رئيسي، كما أن موارد رزقهم متنوعة ولهم عدة أعمال موازية ترتبط أساساً بالنشاط الزراعي، فهم يبيعون حليب الأغنام لمصانع الأجبان في الربيع، فيبلغ سعر الليتر الواحد من حليب الناقة (15 دولاراً)، كما يؤجرون الجمال والأحصنة الخاصة بهم في موسم الأعراس بمعدل (30 دولاراً) لليوم الواحد. ويضيف ماجول: «على الرغم من انتشار البدو في العديد من المناطق التونسية، إلا أن الدولة لا تمتلك إحصائيات رسمية عن عدد هذه العائلات، كما أن أطفالهم لا يدخلون المدارس ولا يعرفون القراءة والكتابة، فهم يتوارثون خشونة الحياة منذ ولادتهم، ولا نعلم إلى متى سيظل بدو تونس يسكنون العراء، ويرفضون صخب المدن».