أجمل شجر فل وياسمين وليمون ونخل ليست موجودة في أي حديقة من حدائق الدنيا، بل هي تلك الحديقة الموجودة في كل واحد منا، وله أشجاره وأحلامه الجميلة، التي قد يغفل عنها المرء وهو يتأمل الحدائق في أسفاره، أو ينظر إلى أشجار جيرانه. وأما أجمل أيامنا فتلك التي تتفتق بالضحك والسرور، المشعة بالأمل والبهجة، يتعالى فيها الضحك موجات ترتقي في مواكب الفرح، ضحك كتغريد البلابل على الأغصان، مثل ضحك الشجر الذي أزهر ثم أثمر حبات دانية القطوف، تغري العيون بلمسها والأيدي بقطفها. جمال الضحك مطلق، هو للجميع صغاراً وكباراً، في كل زمان ومكان، لكن أروعه الذي يصدر من الأطفال الصغار، وهم يلعبون معاً، لاهين في عالمهم البريء.
عندما يضحك الإنسان يشرق وجهه بنور محبب للنفس، كشمس أطلت من بين الجبال. تصفو لحظاته من كدر الأمور؛ لتصغر كبار الهموم وتتلاشى، في جو الأنس والفكاهة والمرح، يزهو بالغناء الذي تتجلى فيه الروح خفيفة شفافة. يمكن للضحك أن يكون دواء لا يصفه الطبيب، غذاء للروح المتعبة، يخفف من وطأة الهمّ على النفوس الرقيقة الحساسة. أهي السعادة تولد في ضحكة؟
فلسفة الضحك من خلال الفكاهة والنكات تأخذ بعداً أكبر، حتى إنها تجعل المستمع يضحك على همومه، يتقبلها، يتفاعل معها إيجابياً، يقزمها، من خلال النكتة ليضحك عليها. خلف المرح والفرح هناك الأمل القوي بالله، وبأن الأحوال ستتحسن يوماً بعد يوم، بالإرادة الصلبة التي تتخذ القرار وتنفذه. هنا لا بد من ذكر الأديب العربي الجاحظ، حيث جعل البخلاء يضحكون على أنفسهم محبة وسروراً، بتقبل انتقادهم ورواية ما فعلوه، في كتابه البخلاء، الذي خلّد حكاياتهم ونوادرهم.
من يمكنه أن يسرق الطرائف والحكايات المرحة من أيامك؟ من يمكنه أن يسلب منك النوادر والضحكات؟ لا أحد يستطيع ذلك إلا إذا سمحت له.