لا أفكر في حجم الكتاب قراءةً أو كتابة، وأستغرب التعليقات التي أسمعها وأقرؤها أحياناً حول حجم العمل، صغيراً أو كبيراً، بالاعتماد على عدد صفحاته. وما زلت أتذكر حينما أهديتُ أحدهم كتاباً قبل سنوات. أمسكه بكفِّه كما لو أنه يزن بطيخة قبل أن يقول: «الله! تولستوي؟!»، في إشارة إلى أن العمل الذي يقارب الأربعمئة صفحة، كبير جداً مثل الأعمال الكلاسيكية وتشقُّ عليه قراءته. وحينما صدرت رواية «حمام الدار» القصيرة نسبياً مقارنة بما سبقها من روايات، أبدى بعض القراء إحباطهم لصغر حجم العمل. والمفارقة أن من رأى في الرواية الأولى ضخامةً فرغ من قراءتها في يوم واحد، ومن أُحبط إزاء صغر حجم الرواية الأخيرة، أمضى وقتاً طويلاً في قراءتها.
لا أفهم علاقة عدد الصفحات بطول الرواية، ولا أفهم إصرار البعض حينما يؤكد استدلالاً بحجم الأعمال الفائزة بجوائز: «هذا زمن الرواية الكبيرة!»، في حين يصر البعض الآخر: «إنما هو زمن الروايات القصيرة!». بعض المواضيع تحتمل الكشف عن تفاصيلها ببضع صفحات، والبعض الآخر، بحسب الشخوص والفترة الزمنية وتفرُّعات القَصّ والحيل السردية، يحتاج إلى سرده في مساحة أكبر. فالرواية مثلما تختار شكلها ولغتها وأسلوبها تختار مساحتها أيضاً.
يتحدث البعض عن «البدانة الروائية»، وهو مصطلح تحدث عنه الناقد المغربي سعيد يقطين، وقد ذهب ذلك البعض إلى أبعد مما قاله الناقد، فالبدانة الروائية يحددها حجم الموضوع مقارنة بالسرد، ولكي نتحقق من تلك «البدانة» علينا أولاً قراءة الرواية، وليس كما يفعل بعض النقاد، حينما ينعت الرواية بالبدينة لمجرد التحقق من عدد الصفحات دونما قراءة، وهو يدلل على سلامة رأيه بسوء قراءة لما كتبه سعيد يقطين الذي يقول في معرض حديثه عن البدانة الروائية: «أؤمن بأن العوالم الروائية تفرض نفسها على الكاتب، ومتى كان هناك تلاؤم بين تلك العوالم وحجم الرواية كان ذلك أجدى وأنفع».
المهم بالنسبة لي هو المعيار الذي يحدد طول الرواية من قصرها، سرعة الإيقاع واستمرار الحدث، وهما أمران لا علاقة لهما بعدد الصفحات. يحدث أحياناً أن أقرأ نوفيلا لا تتجاوز الثمانين صفحة في أسبوع، وفي بعض الأحيان أقرأ رواية كلاسيكية من جزأين أو أكثر في مدة قصيرة جدّاً. أتذكر أنني أمضيتُ وقتاً طويلاً احتجتُ فيه إلى إعادة القراءة أكثر من مرة مع رواية الإيراني صادق هدايت البديعة «البومة العمياء»، وهي رواية قصيرة لا تتجاوز المئة صفحة، ولكنني التهمت رواية «جبل الروح» للياباني غاو شينغجيان وهي تُقارب الثمانمئة صفحة في غضون أسبوع. فأي العملين أكبر؟!
لعلَّ ما حرَّضني على كتابة المقالة هو تلقي القارئ المخلص الذي سألني عن «حجم» عملي المقبل، وإحباطه عندما أخبرته أنني بصدد إصدار رواية صغيرة الحجم، وليس بالضرورة أن تكون قصيرة، فهذا أمرٌ يتفاوت بين قارئ وآخر. فكل الروايات الممتعة قصيرة بالضرورة، ولعلَّ هذا ما يجعلني أواصل حلمي بالعمل على كتابة رواية منذ 2015، أتمناها رواية قصيرة من 500 صفحة!