في منتصف ديسمبر 2018، وقف جيرمي كوربن زعيم حزب العمال البريطاني على دكة البرلمان، ليعلن معارضته لتيريزا مي ومشروعها في البريكست، وقد أعماه الحماس ووتره، لدرجة أنه تفوه بالقول: هذه المرأة الغبية، قاصداً رئيسة الوزراء، وهذا فجر ردود فعل عنيفة في الإعلام، بما أن الجملة توحي بتحقير الجنس النسوي، وليس شخص الرئيسة فحسب.
طبعاً سنعي خطورة هذه الجملة، لأنها تضرب في تاريخ مديد من الثقافة العنصرية ضد المرأة، وتحفر مخزونات الصفات النمطية ضد المرأة، وسيكون الفرق نوعياً، فيما لو أطلق الجملة نفسها على رجل ووصفه بالرجل الغبي، ذاك لأن وصف رجل ما بالغباء سيقف عند الشخص المحدد حصرياً، ولن يتصور أحد أن المعنى سيعم جنس الرجال، لأن السياقات الثقافية المختزنة، تمنح الرجال صفات القوة والذكاء والدهاء، وتحرم المرأة من هذه الصفات، لدرجة أن المدونات القديمة تفاضل بين الرجل والمرأة، بأن الرجل كلما كبر زاد حكمة، والمرأة إذا كبرت زادت حماقة.
وكانت هذه الجمل ستمر من دون اعتراضات، ولكن كسر المرأة لسجنها اللغوي وتعلمها القراءة والكتابة، منحها سلاحاً معنوياً كانت محرومة منه لقرون، ولذا تصاعدت جهود النساء في الدفاع عن حقهن المعنوي، لدرجة أن جملة كوربن لو قيلت قبل عقود لمرت بسلام، أما مع زمن ثقافة المرأة، فإن الوعي ضد التحيز بلغ درجات صار الحساب الثقافي فيه عسيراً ومحرجاً، لأي رجل يتفوه بجمل أو عبارات تمس المقام العقلي للمرأة. وهناك في بريطانيا مساعٍ لاستصدار قانون يجرم التقليل من مقام المرأة، وكل تحقير للنساء سيصبح جنحة تشبه جنح العنصرية، فيما لو تحقق اعتماد قانون تحقير المرأة.