داخل كابينة زجاجية وعلى ارتفاع 126.5 متراً من الأرض، حيث ليس لديها سوى رؤية بانورامية لمياه الخليج العربي والحاويات الموجودة في الأسفل، صنعت الإماراتية عائشة المرزوقي (32 عاماً) من هذا العلو علامة فارقة لبنات جنسها وبلدها، لتصبح أول امرأة تشغل رافعة في ميناء خليفة في أبوظبي.

إذا كانت قيادة الرافعات اختياراً مهنياً نادراً ما تسعى إليه النساء، اختارت عائشة في عام 2015، بإرادة وعزيمة قوية للتميز، أن تكون واحدة من قائدي الرافعات العملاقة، حيث استلهمت تجربتها من مشاهدة فيلم وثائقي عن طيار أنثى في سلاح الجو الإماراتي، وتقول «غيّر هذا الفيلم حياتي ونظرتي لإمكانيات النساء، وقبل أن أبدأ تدريبي في محطة حاويات «ميناء خليفة»، حصلت على جولة في مرافق الميناء، وشاهدت الرافعات على رصيف السفن وعلى الرغم من صخب التروس، ورائحة أبخرة الديزل والغيوم الزرقاء، شعرت بأن هذا هو مكاني، وقررت على الفور وبحماس أن أعمل بوظيفة «مشغل رافعة»، خاصة أن «موانئ أبوظبي» تسعى دائماً وتشجع توظيف مواطني الدولة لتأدية أدوار تنفيذية في محطة الحاويات».

تشجيع وسند
تؤكد عائشة، أنها وجدت سنداً كبيراً لقرارها من أسرتها، لكن ما جعلها تمضي قدماً في طريقها بثقة ذلك التشجيع من الدولة والقيادة الرشيدة للمرأة لتحقيق طموحاتها، خاصة من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة «أم الإمارات»، والتي ما فتئت تدعم الإماراتيات وتدفعهن للتطور في كل المجالات.

ملهمة
عملت عائشة بجد، لمحاولة تغيير فكرة حتمية انخراط  النساء، في مهن تقليدية باستخدام نفسها كنموذج لتشجيع مزيد من المتدربات في هذا المجال، حيث كانت تقضي ثلث يومها في نقل الحاويات من سفينة إلى الرصيف والعكس، وهي تشعر اليوم بالفخر بما تفعله، فعلى خطاها هناك حالياً عدد من النساء اللائي يتلقين دورات تدريبية في تشغيل الرافعات في الميناء، وتضيف: «أملت حينها في أن أكون مُلهمة للمزيد، لتولّي مهن جديدة عليهن في مجال الموانئ، فبرنامج التدريب لموظفي العمليات في «مرافئ أبوظبي» تتراوح مدته بين ثلاثة أشهر وستة، حيث نتلقى دروساً نظرية، تتعلق بكل جوانب تشغيل الرافعات، بما في ذلك سلامة الرافعة ومكوناتها إلى غير ذلك. ومن ثم التدريب العملي من داخل الرافعات واستعراض التحركات، والتعامل مع مُشغّلي الرافعات المهرة ذوي الخبرة».

تفاصيل
تسرد عائشة بعض تفاصيل العمل بالقول: «من داخل المقصورة الصغيرة المرتفعة، أنظر إلى سفينة الحاويات التي توجد تحتها، ثم أوجّه ذراع الرافعة التي تتحرك بواسطة حبال معدنية مثبتة في هيكلها. وأثناء عملية تفريغ الحاوية من السفينة، أُنزل اللواقط الحديدية وأُثبّت الأقفال على واحدة من الحاويات ثم أرفعها بعناية وببطء، ومن ثمّ أناور لوضعها على الرصيف بأمان».

تحديات
أما عن تحديات المهنة، فتوضح: «تعتبر إجراءات الصحة التحدي الأول للمهنة، حيث يجب إدراك أهمية اتّباع إرشادات السلامة بدقة للحد من المخاطر، كذلك الالتزام بالتركيز الكامل، كما أنه من المهم اتخاذ القرارات الفورية من دون تردد أو خوف أو ارتباك، وخلال برنامج التدريب، نعمل خمسة أيام في الأسبوع، وبمُعدّل ثماني ساعات يومياً، وعند الانتهاء من التدريب والعمل كمشغّلي رافعات في نوبات، نعمل 48 ساعة في الأسبوع، حيث إن العمليات في الميناء تستمر لمدة سبعة أيام في الأسبوع، 24 ساعة في اليوم». لكن الجزء الأكثر إرهاقاً في عمل عائشة هو تقلبات الطقس، فتشرح: «نظراً إلى كون الرافعة عالية جداً، فإن الظروف الجوية القاسية أحياناً، مثل الرياح القوية أو الضباب، تجعل أمر التشغيل أكثر صعوبة».

رقم قياسي
تعرب عائشة المرزوقي عن استمتاعها بوظيفتها، حيث تؤكد أن تحقيق أهداف جديدة من حيث الإنتاجية أمر يبعث على الرضا، وتضيف: «عندما أكسر رقماً قياسياً جديداً في مُعدّل حركة الرافعة في الساعة (GMPH)، وهو مؤشر رئيسي للأداء في المحطات البحرية، أشعر بالمتعة بالإنجاز، فهو شعور رائع بالنسبة إليّ أن أعمل في الشركة التي تلعب دوراً مهماً في تسهيل النمو الاقتصادي الوطني، من خلال ربط أبوظبي، وعلى نطاق أوسع دولة الإمارات بالأسواق العالمية».