في عام 1955 نشر المخرج ريموند بوردي وإتيان شوميتون، كتاباً بعنوان «بانوراما الفيلم الأسود الأميركي» ليصبح أشبه بالإعلان الرسمي، لاستخدام مصطلح (فيلم نوار/ Noir) على نوعية محددة من الأفلام وتصنيفاً إضافياً، يمكن أن توصف به هذه الأفلام داخل إطار دراما الجريمة والغموض.

تمرد شكلي
بطبيعة الحال كان النقاد الفرنسيون حينها وتزامناً مع التغيير وثورة التمرد الشكلي، اللذين يقودهما مخرجو الموجة الفرنسية، يذكرون هذا النوع من الأفلام بالثناء على مستوى الشكل، مطلقين مصطلح (أسود / نوار) إشارة إلى أجواء الأفلام المفعمة بالظلام، واستخدام الإضاءة المنخفضة، وهو ما يشير إلى تأثر هذا النوع من الأفلام أيضاً، بموجة التعبيرية الألمانية التي بدأت في العشرينات، بينما نشطت ظاهرة أفلام النوار مع عقد الأربعينات، مع أفلام من نوع الصقر المالطي / The Maltese Falcon لجون هيوستن وThe Big Sleep لهوارد هاوكس وMurder, My Sweet لإدوارد ديمتريك وغيرها من الأفلام، التي ظهرت بعد الكساد الكبير في أميركا، ونشطت إثر نهاية الحرب العالمية الثانية في الفترة الكلاسيكية في هوليوود، ويقصد بها أفلام جريمة متقنة، تكمن فيها شخصيات ساخرة بأبطال باردين وممثلات إغراء، وطريقة سرد شيقة ذات مؤامرات معقدة وأسلوب متكرر في الرجوع للماضي وتضمين عرضي لأفكار وجودية وفلسفية أخلاقية.

مؤرخون
بينما يرى المؤرخون السينمائيون أن ظهور هذا النوع من الأفلام، هو تعبير فني عن الشعور بخيبة الأمل بعد حوادث سياسية واقتصادية عدة، مثل الكساد الكبير في الثلاثينات، وظهور المكارثية والتهديد النووي، مما عزز المخاوف الاجتماعية وعدم الشعور بالسلم في النفوس، كما هي السينما عادة التي تأتي انعكاساً أميناً لمتغيرات الواقع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
لكن الأمر الذي يعنينا هنا بطبيعة الحال أننا شهدنا شكلاً فنياً جميلاً لا يزال يلقي بأثره على السينما العالمية، بعد أن ترك لنا إرثاً كبيراً من روائع السينما، حيث كثرت المؤلفات السينمائية، التي تتحدث عن هذا النوع فيما ينتشر أيضاً العديد من القوائم السينمائية، لأفضل أفلام النوار حتى يومنا هذا. كما هو الكتاب الضخم لباول دونكان وجورغن مولر حول أفضل مئة فيلم نوار خلال كل الأزمنة.

أفضل الأفلام
لكن أفضل ما يمكن أن نعرف فيه هذا المصطلح وشكل فيلم النوار التعبيري وموضوعاته،هو مشاهدة أفلام النوار ذاتها، وهنا يمكن أن نذكر الأبرز منذ البداية لعدد مختلف من المخرجين:

• The Maltese Falcon عام 1941 لجون هيوستن ومن بطولة نجم أفلام النوار همفري بوغارت، يدور حول محقق بارع بدم بارد يبحث في خلفية ثلاثة مجرمين في سعيهم للحصول على تمثال ثمين.
• Double Indemnity عام 1944 للمخرج  بيلي وايلدر، يتحدث عن محقق تأمينات يلتقي بعميلة ويتفق معها على قتل زوجها والحصول على مبلغ التأمين، باعتباره موتاً طبيعياً بينما يستنبط محقق التأمين خطة أخرى أيضاً للحصول على ضعف المبلغ، على أساس بند التعويض المزدوج لكن صديق المحقق تبدو لديه شكوك أخرى حول وفاة الزوج.
• Laura عام 1944 للمخرج أوتو بريمنغر حول شرطي يقع في حب المرأة التي يحقق في شأنها.
• The Big Sleep عام 1946 لهوارد هاوكس ومن بطولة همفري بوغارت ولورين بيكول حول محقق خاص تقوم عائلة ثرية بتعيينه لمعالجة موضوع شخص يقوم بابتزاز ابنة العائلة.
• Gilda عام 1946 للمخرج شارلز فيدور وبطولة النجمة ريتا هيوورث حول مقامر يعمل في كازينو يكتشف أن حبيبته السابقة متزوجة من مدير الكازينو.
• Out of the Past عام 1947 لجاك تورنيور حول جاسوس يهرب من ماضيه للعمل في بلدة صغيرة، لكن الماضي سيلحق به ليعيده من جديد لخطر وفساد المدينة.
• The Reckless Moment عام 1948 للمخرج الألماني الكبير ماكس أوفولس حول الأم التي تعمل المستحيل لحماية ابنتها من الاتهام بارتكاب جريمة قتل حينما اكتشفت جثة عشيق ابنتها المبتز!
• In a Lonely Place عام 1950 للمخرج الكبير نيكولاس راي عن أميركي كاتب سيناريو كان ناجحاً في الماضي، لكنه مثل العديد من الكتاب في مجاله، واجه قليلاً من الصعوبة ولم يكتب فيلماً ناجحاً منذ مدة، يتم تكليفه بتحويل أكثر الكتب مبيعاً إلى فيلم ناجح، لكن تأخذ حياته منعطفاً منعكساً عندما يتم استدعاؤه إلى مركز الشرطة للتحقيق معه، كمشتبه به في مقتل امرأة شابة.
• Pickup on South Street عام 1953 للمخرج سامويل فولر حول نشال يسرق رسالة يتضح فيها أنها موجهة لعملاء العدو مما يجعله هو شخصياً هدفاً لحلقة تجسس شيوعية.
• Touch of Evil عام 1958 للمخرج العظيم أورسون ويلز في قصة مليئة بالخبث والمؤامرات، وعن جريمة قتل واختطاف وفي ظل فساد الشرطة في مدينة مكسيكية.