هناك حيث الحضارة والتاريخ جزء لا يتجزأ من كلّ شبر فيها، في اليونان، بلد البيزنطيين والحضارة الإغريقية الخالدة، تقع جزيرة كريت، إحدى أجمل جزر اليونان من حيث الطبيعة الخلابة، المواقع الأثرية والنصب التاريخية،
التي تعود للعهد البرونزي، وتعتبر بفضلها مهداً لأقدم الحضارات في أوروبا قاطبة، ومحطة مهمة للسياح الذين يتغنون بالمكان الساحر الذي يوصف بالجنة الغناء.

تتربع جزيرة كريت في قلب البحر الأبيض المتوسط، جنوب بحر إيجة، في أقصى جنوب اليونان، على مساحة تصل إلى 8300 كيلومتر مربع، وهذا ما جعلها تعدّ كبرى الجزر اليونانية. وقد ولدت من رحمها إحدى أهمّ وأعظم الحضارات في العالم، في الألفية الثالثة قبل الميلاد، وهي الحضارة المينوية.

أصل التسمية
عرفت جزيرة كريت في الماضي البعيد باسم «جيريت»، أما العرب فقد أطلقوا عليها اسم «أقريطش»، وباللغة اليونانية «كريتي»، والإيطاليون سموها «كيدونيا» المستوحى من اسم عاصمتها «إيراكليون» سابقاً، وتم تغييره في القرون الوسطى إلى «كانداس»، ليصبح «كريتا» باللغة اللاتينية الأصلية.
تشكل كريت كتلة جبلية غنية ومتنوعة بالتلال والأراضي الخضراء الشاسعة، وخاصة من الجنوب حيث غابات الأشجار الكثيفة والمتنوعة بين أشجار النخيل النادر وجودها في أوروبا، وأشجار الصفصاف والصنوبر والزيتون والليمون والكروم.

سحر القرى
تمثل القرى والأرياف جزءاً لا يتجزأ من تاريخ جزيرة كريت، وعاداتها وتقاليدها، حيث البيوت الطينية والقرميدية، متناثرة هنا وهناك على التلال، فوق الجبال، بقرب الأنهار، وكلها بين أحضان الطبيعة الخلابة، وتجد أغلب سكانها، نساء ورجالاً وأطفالاً يحترفون مهنة الصيد والزراعة، وصنع المشغولات اليدوية من الفخار والطين. ولعلّ أبرزها قرية «شانيا» الواقعة في الجهة الغربية من الجزيرة، وتمتاز بالطابع العمراني التقليدي المحلي، كما تضم ميناء كبيراً، يعدّ الأضخم في الجزيرة كلها، وهو قديم قدم تاريخ اليونان، ويعود للدولة البندقية. وقرية «ريثيمنون» في وسط الجنوب الغربي من الجزيرة، والتي تتمتع هي الأخرى بالطراز العمراني ذاته، توجد بها قلعة قديمة تدعى حصن «فورتيسيا»، غني بالمعالم الأثرية للحضارة الإغريقية والبيزنطية، وقرية «إيراكليون» التي تضمّ أكبر عدد من سكان كريت كونها عاصمتها وقلب الجزيرة النابض.

حيوية العاصمة
يختلف سحر العاصمة إيراكليون ليلاً، عن شقيقاتها من القرى والمدن في اليونان، فأجواؤها منعشة تشعرك بالحيوية وحبّ الحياة، فضلاً عن ضمها عدداً من المتاحف الأثرية الغنية بالحقائق التاريخية، ومراكز تجارية عديدة، إذ تعدّ مركزاً للنشاط التجاري والاقتصادي في الجزيرة.
تضم إيراكليون بدورها عدداً كبيراً من المعالم السياحية، والنصب التاريخية والمواقع الأثرية، ولعلّ أبرزها مجموعة من المعابد والقلاع والقصور، أهمها قصر «فيستوس» و«زاكروس»، و«كنوسوس»، هذا الأخير الذي يعدّ تحفة تاريخية نادرة، تمّ اكتشافه من قبل المؤرخ «أرثور إيفانس»، ويمتدّ تاريخ بنائه إلى الحضارة المينوية، ويعود ملكه لحاكم المينويين، كما أنه منبع الثقافة الكريتية حتى يومنا هذا، وقد شهد جميع مراحل التطور التاريخي للمنطقة حتى عهد الإمبراطورية البيزنطية.

معالم وآثار
على غرار حضارتها العظيمة، أنجبت جزيرة كريت شخصيات تاريخية مهمة،  مثل الرسام المشهور دومينيكوس ثيوتوكوبولوس، المعروف باسم «آل غريكو»، والشخصية السياسية الكبيرة فينيزيلوس، والشاعرين الأديبين والكاتبين العظيمين فيتشينزوس كورناروس وأوديسياس إيليتيس. هذا وتزخر الجزيرة بتراث طبيعي، وتنوع جغرافي غنيّ،  حيث تحظى عاصمتها ايراكليون، التي وطأتها أقدام الجنس البشري منذ 8000 عام تقريباً، بإقبال كبير للسياح، ويستقطب مطارها نسبة عالية من الرحلات، يصل إليها سنوياً حوالي مليوني سائح في العالم.

جزر منفصلة
تضم ّ كريت جزراً صغيرة منفصلة عنها، لكنها في الوقت ذاته تابعة لها أبرزها جزيرتا «ديا» و«كوفونيسي» ذواتا مساحة تصل إلى 4 كيلومترات مربعة، وتتميزان بموقعيهما الاستراتيجيين قرب الحدود الأوروبية والأفريقية والآسيوية على حدّ السواء، وللعلم فجزيرة كريت معقل لتجمع الشعب المرجانية الأكبر حجماً في أوروبا، حيث تمتد على مساحة تصل إلى 16 كيلومتراً، فهي بالفعل حديقة طبيعية تحوي في أراضيها أعشاباً ونباتات نادرة جداً،  حيث المناخ والتربة الخصبة والمياه الطبيعية النقية، كما أنها محمية بيئية مثالية لثروة حيوانية نادرة.

مطبخ نباتي
لا يختلف مطبخ أهالي جزيرة كريت عن المطبخ اليوناني المثالي الأكثر شهرة بين جزر ودول البحر الأبيض المتوسط، فهو مزيج بين الأكل الإيطالي، وأطباق دول البلقان والأناضول، والشرق الأوسط، حيث تجده يتكون أساساً من زيت الزيتون، الخضار، الأعشاب والحبوب، والخبز والأسماك أكثر من اللحوم والدواجن كمكونات رئيسية، لكن المثير في المطبخ الكريتي أنه نباتي بالدرجة الأولى، لكون المطبخ اليوناني الأول من حيث نشر ثقافة الأكل النباتي في العالم، فقد كان في الماضي يعكس وجه الحياة الريفية والزراعية عبر الأزمنة. أما بالنسبة لأشهر الأطباق الكريتية، فنجد طبق «الموساكا» وهو عبارة عن خضار مشوي ولحوم مشوية بتتبيلة خاصة شهية ولذيذة جداً.

شواطئ ساحرة
تحظى شواطئ جزيرة كريت اللازوردية بأهمية سياحية كبيرة، تمّ اختيار مجموعة منها كأجمل الشواطئ في العالم لأكثر من مرة، وخاصة شواطئ «إيلوندا» الكريستالية، التي تعدّ مقصداً لنجوم هوليوود، حيث سبق أن تم تصوير أكثر من فيلم في أحضانها، ودفء شمسها الساطعة. هذا كما يجعلها الكثير من السياح مقصداً لممارسة رياضة المشي على شواطئها الذهبية، وممارسة رياضة كرة اليد تحت هوائها المنعش، وتجدهم من مختلف الجنسيات والأعراق