نحن في فصل الشتاء. 6 فبراير 1975. ماريا كالاس معلقة في نافذتها التي تفتح على حديقة واسعة. الرجال والنساء يفسّحون كلابهم. يرن التليفون فجأة. تأخذ السماعة. تعرف صوته من بين مئات الأصوات. هو لا أحد غيره، أرسطو أوناسيس، بحار وأحد أكبر أغنياء هذه الأرض، وحبيبها السابق. أخبرها أنه سيكون في مستشفى نويي، بباريس. فقد وعدها بأن يكلمها، وأن يقنعها بالرجوع بعد أن افترق عن زوجته، أرملة الرئيس كينيدي، جاكلين. عندما زارته في المستشفى للمرة الأخيرة، أدركت كم أن المرض قاسٍ، يرجع أصحابه نحو دوائر البدايات. كان يغطي نفسه بالبطانية، التي أهدتها له في عيد ميلاده الستين. لم تكن ماريا تتصور أنه سيعود لها محملاً بلغم قاتل اسمه السرطان. لكنها كانت تحمل جرحاً كبيراً. فقد منحته كل شيء، حتى صوتها، وسخرت نفسها له كلياً. افترقت بشكل معلن عن زوجها لتكون له وحده. لكنه كان السبب الأول في خرابها. كان عليها أن تتحمل مزاجه، وغيابه المستمر، وخياناته اليومية التي كانت تعرف بعضها ومنها علاقته بكيتي، أخت جاكي كينيدي. لم يكن كلامه أرحم من لغته. في كل مرة يذكرها بأنها ليست أكثر من ضيفة على يخته أو (Yacht كريستينا ). أحبت جنونه بالحياة فأصيبت بعدواه، هي الطفلة السمينة، البشعة، التي لم تترك أمها أي صفة سلبية إلا وألصقتها بها. لهذا رأت فيه المنقذ من الموت، من طفولة يونانية مقهورة، من زواج مكرر وبلا حياة تذكر. من مجتمع ظالم كلياً. كانت أناقته مع النساء وثراؤه، وأسفاره البحرية، وسائله للحياة والاستمرار. حياته كلها كانت تدور داخل يخته الذي جاب به بحار العالم. كانت ماريا تكره المنافسة النسوية، لهذا كان من الصعب عليها تحمل عالمه الأنثوي من دون أثر سلبي في حياتها. كان يريدها عظيمة لا لنفسها، ولكن ليتأكد المجتمع المخملي، الأميركي تحديداً، من أنه كان يعيش مع امرأة معروفة. ولم يكن اهتمامه بها إلا تعبيراً عن نرجسيته المريضة. كل رهانها أن تعيش في ظله. كان حبها الذي عاشته بامتلاء هو الشغف العشقي الكبير، قبل أن تأتي جاكلين وتتحول حياتها إلى جحيم قهرها في النهاية.
عندما رأته في المستشفى للمرة الأخيرة، عرفت كم أن الموت يعيد الأشياء إلى طبيعتها الأولى، لكنه يأتي دائماً متأخراً، لا يمنح إلا النهايات المؤلمة والسريعة.