كان يوماً لطيفاً إلى أن جلست لتناول الغداء، حينها اقتربت مني إحداهنّ لتسألني: «أتابعك منذ فترة عبر تويتر، وألاحظ شغفك بالرواية، ألا تعتقدين أنها مجرد مضيعة للوقت؟».
أذكر أنني نظرت نحوها بلؤم، ثم سردت عليها قصة حياتي، والكثير من الأشياء الأخرى التي ما عدت أذكرها، باستثناء آخر عبارة خُتم بها لقاؤنا: «اقرئي عن نظرية الفن لأجل الفن، ربّما تجدين الإجابة هناك».
على أمل أنها ستقرأ هذا المقال؛ فإن الإجابة الأكثر دقة عن سؤالها لا تتجاوز تلك الكلمات الثلاث التي ذكرها جوناثان غوتشل في كتابه (الحيوان الحكّاء) إذ يصل إلى نتيجة مفادها أنّ «الحكاية تجعلنا بشراً».
يقال إنّ الفن، بما في ذلك الأدب، يعالج القضايا الإنسانية العامة، وربما لا يكون الأمر على هذا الوجه تحديداً، لكنه على الأقل يفتح تلك الأبواب المغلقة، ويوجه البوصلة نحو التابوهات المجتمعية على اختلافها، مما يؤكد أننا قادرون على مواجهة العالم بالكلمة، وهي التي باتت تُخشى حتى أكثر من السلاح.
وبعيداً عن اعتبار الحكاية وسيلة لبلوغ هذه القيم، واستعادة المعنى، والتأريخ وما سوى ذلك من ما يطيب للنقاد والكتاب طرحه والخوض فيه، وكلّه صحيح، إلا أنه يجب ألا تغيب عن البال حقيقة أن الحكاية غاية في حد ذاتها، وليس معنى هذا أننا نقطع الصلة بين المعنى والحركة الإبداعية، أو كما هو مشهور عند كثيرين من أن الأخذ بهذا المذهب معناه منافاة الفن للحياة المعاشة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أننا حين نتحدث عن دافع أحد الكتّاب مثلاً لكتابة قصة أو قصيدة معينة، فإن هذا الدافع قد لا يكون بالضرورة الخوض في قيمة أو إيصال رسالة بعينها، بل مجرد حافز فني، ينتهي إلى إنتاج عمل يُفتح لاحقاً على تأويلات قد لا تكون مقصودة بذاتها، لكن يحدث أن تتسق مع النص.
ستظل الحكاية على اختلاف أنماطها، قصّة رواية حكاية شعبية أو مقتبساً ضمن عمل آخر، تلازم الإنسان في كل أزمنته. سواء أُنتجت لغاية بعينها، أو كانت هي نفسها الغاية؛ ذلك أن الإنسان حسب جوناثان غوتشل: حتى في نومه، يظل مستيقظاً، يروي القصص لنفسه.