التأقلم واحد من الأسرار الغريبة للراحة النفسية والجسدية، وقد تكون واحدة من الطرق للسعادة، حتى ولو كان البعض ينظر إلى هذه الفضيلة «كما أراها»، على أنها نوع من أنواع التنازل. التأقلم مع المستجدات التي تطرأ علينا في حياتنا، بالذات إن كنا غير قادرين على إحداث تغيير فيها، هو بطريقة أو أخرى إعادة تقييم لنظرتنا إلى الأشياء التي حولنا والتي تعطي، بصغيرها وكبيرها، معنى لهذه الحياة.
يقول مصطفى لطفي المنفلوطي في «نظراته»، (فقد كنت أرى الناس فرأيت نفوسهم، وأرى الجمال فرأيت لبه وجوهره، وأرى الخير فرأيت حسنه، وأرى الشر فرأيت قبحه، وأرى النعماء فرأيت ابتساماتها، وأرى البأساء فرأيت مدامعها، وأرى العيون فرأيت السحر الكامن في محاجرها، وكنت أرى الشمس فرأيت خيوطها الفضية الهفافة بين السماء والأرض، وأرى القمر فرأيت شعاعه كأنما يهم أن ينبسط حتى يفيض عن جوانبه فيضاً، وأرى الفجر فرأيت بياضه وهو يدب في تجاليد الظلام دبيب المشيب في تجاليد الشباب، وأرى النجوم فرأيت عيونها الذهبية تطل على الكون من فروج قميص الليل، وكنت أسمع خرير المياه فسمعت مناجاتها، وحفيف الأوراق ففهمت نغماتها، وتغريد الأطيار فعرفت لغاتها).
هذا هو المعنى الحقيقي لإعادة صياغة مفهومنا لما حولنا، أن ننظر خلف كل ما كنا نراه عادياً، سنجد سحراً خاصاً به، وسيصبح أي تغيير أو أي ضرورة للتأقلم مع أي جديد أسهل بكثير لو أحسنا قراءة ما حولنا كما أريد لها أن تكون من خالق الكون وخالقها. النظرة السوداوية حتى للبياض الذي قد نلحظه من زاوية نافذة مفتوحة على فضاء الكون هي ما تجعل حياتنا بائسة. شعاع ضوء ونور واحد يمكن أن يأخذنا إلى عوالم خفية تدخل على أنفسنا الرضا، لو أردنا الرضا.