إن أكثر ما يتجلى فيه الشعراء في إلقائهم هو لحظة وقوفهم وهم ينشدون أشعارهم على المسرح أو غيره، كأن للقصيدة قامتها التي لا ترضى معها إلا بالوقوف، لتطلق حينها الحرية ليدي الشاعر للانطلاق نحو فضاءات أكبر بها. وقد شاهدت للشاعر الكبير محمد الجواهري مقطعاً يلقي فيه قصيدة، وهو في السنوات الأخيرة من عمره، كانت يداه حاضرتين، تلقيان جزءاً من القصيدة، تكملان الصور الشعرية التي لا يقولها إلا الجواهري.
نزار قباني كان هو الآخر يلقي قصائده مسرحياً بكامل جسده، بقيادة يديه، اللتين تتحركان في كل الجهات، ليؤكد أنه على حق، وأن ما يقوله حقيقة، وأنه يشير إلى الحقيقة بيديه.
ومحمود درويش، وهو يلقي قصائده في المسرح، كان ينسج الأبيات بصوته ويديه، بكفيه وذراعيه، بأصابعه الـ10 حيناً والخمسة حيناً أخرى، يرسمها، يلونها، يمسك بها، يشد عليها، يسحبها إليه، يطلقها أمام الحضور، تحلّق عالياً، ثم يستعيدها، يرسم دوائر، يرفع إبهامه، يشد على قبضته، يشير بسبابته إلى البعيد، إلى القريب، إلى الأرض.
كان الجواهري ودرويش ونزار قباني يلقون قصائدهم وقوفاً، وهو الوضع الذي يبدو أنه الأفضل لهم في تفاعل أيديهم مع نصوصهم.
أما في الإمارات، فيمكن بجولة في موقع اليوتيوب، أن تتأمل الشاعر النبطي راشد بن طناف وهو يلقي الشعر، واقفاً في مرات قليلة، جالساً في أغلب الأحيان «بسبب كبر سنه»، لتعرف كيف يمكن لليد أن تكون علامة فارقة من علامات حضور القصيدة وصاحبها في عالم الشعر.
لكن ماذا عن الشاعرات؟ وكيف هو حضور أياديهن أثناء الإلقاء؟
في «اليوتيوب» يوجد مقطع للشاعرة العراقية الكبيرة لميعة عباس، تلقي قصيدتها الشهيرة «بغداد» وهي جالسة في جو كان يبدو حاراً، بدلالة إمساكها بمروحة يدوية في يمينها كانت تحركها قبل أن تبدأ في الإلقاء، إلا أنها بمجرد أن بدأت في إلقاء قصيدتها، وضعتها جانباً «وأمسكتها أثناء الإلقاء في أحيان قليلة»، إلا أنها انطلقت تلقي بيدين لم تعرفا الهدوء.