الكتابة الأدبية، بشتى أنواعها، هي إبداع إنساني وخلق مُحدث، وذلك يستوجب عقلاً حراً منعتقاً من القيود، أي قيود، سواء كانت اجتماعية أو عقدية أو دينية أو أخلاقية إلخ.. وحتى أبسطها ألا وهي القارئ نفسه أو من توجه الكتابة إليه، قد يقول البعض: سخافة أن يقول الكاتب إنه يكتب لنفسه فقط، ويتساءلون: إذاً لماذا يكتب؟! وأصحاب هذا الرأي قد غاب عن ذهنهم أن الكتابة هي عملية مجزأة، فشخص الكاتب يختلف عن فعل الكتابة وعن الكتاب. العقل يجب ألا يُقيّد ويترك له العنان في فعل الكتابة، ولكن قد يكون للمراجعة دور في التهذيب والتشذيب والربط بين الأفكار، وهي مرحلة لاحقة للدفقات الوجدانية التي تصدر عن عقل المبدع.
قال أفلاطون في محاورته لفيدروس عن الفن: «الإنسان العاقل لا يستطيع أن يباري المجنون في حلبة المنافسة»، فالعقل ميّال بطبعه للأخذ بالنماذج، ناجحة أو فاشلة، المهم أنها مجربة، وهي تبعية تعقل الأفكار، ولا سبيل سوى التخلّص من كل العوائق المحيطة بالعقل للانطلاق إلى تجريب جديد وإبداع غير مسبوق، قد يكون الجنون، أو العودة إلى الطفولة، مرحلة الاستكشاف، التعرّف إلى المحيط بفضول وشغف والبحث عن التفاصيل والمحرّكات والمؤثرات وطرح التساؤلات.
ويقول الفيلسوف الإيطالي بنديتو كروتشه: «حتى الـ18 من العمر، يكتب الجميع قصائد. وبعد ذلك تستمر فئتان فقط من الناس في ذلك: الشعراء والأغبياء». وعلى المبدع ألا ينتظر النتيجة بقدر شغفه بالتجربة نفسها، أشبهها بقصة وردت في حكايات أيسوب، بأن عجوزاً خبأ لأبنائه تركة من الذهب مدفونة في حقله، وأخبر أبناءه بأنه نسي مكان دفنها، بدأ الأبناء يبحثون عن الذهب ويحفرون الحقل ولم يحصلوا عليه، وإنما على منتوج أوفر من الحقل بسبب تقليب التربة، ومن ما أثار استغرابي ما قاله المبدع «ماركيز» عندما قرأ رواية «المسخ» لـ«كافكا»: «لم أعرف من قبل أن أحداً يسمح له بأن يكتب شيئاً كهذا، ولو كنت أعلم هذا لبدأت الكتابة منذ زمن طويل». حتى أنت يا ماركيز! سامحك الله، لم أعلم بأن عقلك مقيّد.