لم يكن العالم العربي بعيداً عن سحر أزمان التنوير، الذي انسرب في عروق مجتمعاته فعلاً ثقافياً تأثرت به النساء، وتمخض عن منابر صحافية تنادي بتحرير المرأة وانعتاقها من ربقة التقليد الذكوري، صادحة بالحقوق النسوية ومساواتها بالرجل، هكذا سارت الصحافة النسائية في دروب العمل الثقافي والفكري، مستلهمة تجارب التحرير الاجتماعي في العالم، فحبرت ورق الصحف بمداد الروح المتوثب للتعبير عن حاجاتها، ليدخل شعاع التنوير النسوي، تلافيف المجتمع العربي الممتد من المحيط إلى الخليج. وما زالت الصحافة النسائية في العالم العربي تحفر في المشهدين الثقافي والاجتماعي أشكالاً متعددة من الوعي، تصب جميعها في مجالات كسب حقوقها وتحقيق آمالها، ويسطر نتاجها محطات مضيئة غيرت كثيراً من ماضيها وحررتها من التهميش.

لبنان
في سنة 1909 تلألأ ضوء الوعي النسوي من لبنان، بإصدار مجلة «الحسناء»، لمؤسسها الأديب والمؤرخ الصحافي جرجي نقولا باز، الذي استوعبته التجارب الغربية ليكون نصيراً لقضايا المرأة. ولم يكتب لهذه المجلة أن تعيش سوى ثلاث سنوات غير أن مد الحراك الصحافي النسائي لم يتوقف، فأصدرت عفيفة كرم مجلتين نسائيتين، هما «المرأة السورية» سنة 1911، و«العالم النسائي الجديد» سنة 1912. ويخبرنا التاريخ أنه ما إن وضعت الحرب اللبنانية الأهلية أوزارها، حتى ظهرت إلى حيز الوجود مجلات نسائية عدة، منها: «اللبنانية» و«مشوار» و«فيروز» التي نجحت في الصمود حتى الآن، ثم تبعتها في سنة 1985 مجلة «عفاف»، وكان امتياز صدورها باسم آمنة عبد الله، ثم تبعتها مجلة «زينة» سنة 1986. وبمشاركة فرنسية صدرة مجلتان هما: «جمالك» و«نور». وفي سنة 1991 صدرت مجلة «وفاء».


سوريا
في سوريا كتبت ماري عبده عجمي اسمها في سفر الاستنارة الصحافي النسوي، معنونة مبادرتها باسم «العروس» في عام 1910، مفتتحة بها الانتفاضة على واقع المرأة السورية آنذاك، وبعد 10 سنوات صدرت مجلة أخرى هي «الفيحاء»، لكنها لم تستمر طويلاً وقد توقفت كثير من المجلات النسائية في سوريا بعد فترات قصيرة من صدورها، ولم تستقر غير مطبوعة واحدة، هي مجلة «المرأة العربية» التي صدرت في أغسطس 1962 عن الاتحاد العام النسائي السوري.

العراق
عبق أريج الكلمة الصحافية الناعمة الفضاء، لتهب أنسامها من العراق ليأتي يوم الخامس من أكتوبر سنة 1923، حاملاً على كفه مجلة «ليلى» التي أصدرتها بولينا حسون، كأول إصدار صحافي نسوي في بلاد الرافدين. ثم جاءت سنة 1936 تحمل عبيراً يعبر عن إصدار نسائي آخر، هو مجلة «المرأة الحديثة» التي أنشأتها حميدة الأعرجي، ثم توالى صدور المجلات النسائية المتخصصة، منها: «فتاة العراق» و«فتاة العرب» و«فتاة الرافدين» و«بنت الرشيد» و«الأم والطفل» و«الاتحاد النسوي العراقي» و«زين» و«المرأة» و«رسالة المرأة».


الكويت
في الخليج، كان للكويت قصب السبق والريادة في عوالم العطاء الصحافي النسوي، حيث تزامنت بداياتها مع النهضة الاقتصادية وظهور البترول، وصدرت أول مجلة نسائية عام 1965 بعنوان «أسرتي»، ولعبت غنيمة فهد المرزوق دوراً كبيراً في استمرارها، وتعد من أقدم المجلات النسائية التي ما زالت تصدر، كذلك صدرت مجلة «سمرة» عام 1993، والتي أعلنت أنها مجلة تخاطب الرجل والمرأة معاً في عموم العالم العربي، وتميزت بجودة الإخراج الصحافي، ومجلة «المرأة الكويتية»، وهي مجلة فصلية صدرت 1993.

تونس والجزائر
باسم «ليلى» صدرت أول مجلة نسائية في تونس سنة 1936، ثم صدرت مجلة «الإلهام» عام 1955م، على يد الصحافية فاطمة علي، ومجلة «فائزة» عام 1959 التي أصدرتها درة أبو زيد. أما «الجزائرية» فهي أول مجلة نسائية تصدر في الجزائر، وظلت هذه المجلة تحتكر ساحة الصحافة النسائية حتى عام 1990، عندما أباح القانون حرية إصدار الصحف، حيث صدرت مجلة «نون» عام 1990.

بلاد المغرب العربي
تفتحت ورود الوعي النسوي في المغرب، منذ مدة ليست بالقصيرة، حيث انداح مشروع الاستنارة النسوي، على أديم أرض التغيير والتوق لمستقبل مشرق، يحمل أغراس المساواة والعدل والجمال والحرية. عرفت المغرب الصحافة النسائية في أكتوبر من عام 1970، عندما صدرت مجلة «عائشة»، وهي مجلة فصلية أصدرها الاتحاد النسائي المغربي، وترأستها الأميرة للا فاطمة شقيقة الملك الراحل الحسن الثاني.

السودان
من أرض السمر جادت محابر التنوير، بإصدار أول مطبوعة صحافية نسائية سنة 1946، ممهورة بتوقيع السودانية ذات الأصول المارونية تاكوي سركسيان، تحت اسم «بنت الوادي». وعلى الرغم من الدور الذي لعبته المجلة في استكتاب النساء، إلا أنها توقفت عن الصدور بعد سنتين من نشأتها بعد أن أعاقتها صعوبات التمويل. بعدها قامت الناشطة السياسية فاطمة محمد إبراهيم بإصدار أول مجلة نسائية تحررها صحافيات، وقد اختارت لها اسم «صوت المرأة»، ولما كان للمجلة نصيب في الصراع السياسي فقد تم توقيفها مرات عدة حتى توقفت عن الصدور نهائياً في سنة 1969. لكن مبادرات إنشاء الصحف النسائية لم تتوقف، حتى إذا حلت سنة 1990 وجدت عند النساء السودانيات بزوغ فجر مجلة جديدة هي مجلة «عزة».

السعودية
في استجابة موفقة للنهضة الصحافية النسوية، قبست من مشعل التجارب السابقة، نشطت السعودية في إصدار عدد من المجلات النسائية داخل المملكة وخارجها، منها: مجلة «الضياء» التي صدرت عام 1977، ومجلة «الأمل» وتصدر سنوياً عن معهد التربية الفكرية للبنات بالرياض، وصدرت في 1979، ومجلة «الشرقية» وتصدر خارج المملكة.

«الفتاة»
وصفت هند نوفل جريدتها النسائية التي صدرت في مدينة الإسكندرية في سنة 1876، بـ(جريدة علمية تاريخية أدبية فكاهية مختصة في جنسها، مبتكرة تحت سماء الشرق بموضوعاتها. لا غرض لها في الأمور السياسية، ولا منزع فيها إلى المشاحنات الدينية، ولا غاية لها من البحث في مواضيع لا فائدة منها للنساء، ولا مطمع لها في المناظرات إلا ما كان في أدب الهيفاء ومحاسن الحسناء)، لتؤرخ نوفل المصرية ذات الأصول الشامية، لأول صحيفة نسائية تصدر في العالم العربي وكان اسمها «الفتاة»، وتضمن مشروع الجريدة دعم تعليم المرأة والاهتمام بقضايا إشراكها في الحياة العامة والنهوض بها.
ولم تغب بنود هذا المشروع، عن أفق أهداف الصحافة النسوية التي تتالت في الصدور بعد جريدة «الفتاة»، إذ حمل هذا المشروع أهداف التنوير والنهوض بالمرأة العربية، من واقع التخلف والجهل الذي أحاط بأدوار المرأة الاجتماعية والسياسية، والذي كرسته التقاليد الجامدة وسياسات الاستعمار الغربي آنذاك.

الإمارات
في الإمارات، انتشى فضاء التلقي النسوي بإصدار الأنيقة ذات الثوب القشيب باسمها الزاهي مجلة «زهرة الخليج»، التي ولدت ترفل في يفاع الإبداع والخلق في مارس سنة 1979، وتعد اليوم من أشهر المجلات الأسبوعية في العالم العربي، وتصدر عن «أبوظبي للإعلام». ومنذ انطلاقتها أكدت المجلة حضورها بوصفها مجلة المرأة العربية الأولى، حيث يتم توزيع أكثر من 200 ألف نسخة أسبوعياً في مختلف دول الخليج، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي أكتوبر 1989 تبعتها مجلة «درة الإمارات» التي تتبناها جمعية نهضة المرأة الظبيانية، ثم بعد ذلك ازدان أفق الوعي النسوي بمجلة «كل الأسرة».