وراء كل رجل عظيم امرأة.. مقولة اعتاد الناس ترديدها، إلا أن البحارة التونسية منى الماجري، اختارت ألا تكون وراء رجل ليكون هو العظيم، بل ارتأت أن تكون هي نفسها العظيمة.

تقف البحارة منى على شواطئ مدينتها الصخرية القاسية (الهوارية)، حيث تصارع قاربها الخشبي لتربط مرساته بإحدى الصخور، حتى لا تتقاذفه الأمواج العالية والمضطربة المعروفة بها المنطقة، فمنى ليست ككل نساء المنطقة اللاتي يساعدن أزواجهن البحارة في الاعتناء بالقوارب وترقيع الشباك، فهي الصيادة والربانة، والمرأة الوحيدة في منطقتها، ومن القلائل في تونس اللاتي احترفن مهنة الصيد.
تقول منى: «لا أقول إنني اخترت هذه المهنة، بل إن القدر قادني إليها، فوالدي كان بحاراً يأخذني معه منذ صغري في رحلات الصيد، وهو من علمني الصيد وتقنياته وأسراره، وكنت أذهب معه بدافع التسلية، وكان هو يستبشر باصطحابي معه للحصول على صيد وفير. كان البحر بالنسبة إليّ حديقتي التي ألعب بها، وكانت الأمواج هي التي تؤرجحني. وعلى الرغم من أن لي من الإخوة الذكور أربعة، إلا أن جميعهم عزفوا عن البحر ووقعت أنا في عشقه، فالصيد لم يعد لي هواية، هو مهنة أعول بها عائلتي، فالبحر ليس حكراً على الرجال».

تحديات
تعزو منى عزوف المرأة عن العمل في مهنة الصيد لكونها تعتبر كثيرة التحديات بالنسبة إلى النساء، وتوضح: «عملنا يستوجب الخروج من الصباح الباكر، ونظل خلالها لساعات طويلة في عرض البحر، تحت أشعة الشمس المباشرة وحرارتها المرتفعة والرطوبة العالية». تحكي منى عن يومياتها: «يظن الكثيرون أن كل البحر مناطق للصيد، والحقيقة أن هنالك مناطق معينة تعتبر مراعي للأسماك، لا يدركها إلا الصياد المتمرس».

مخاطر
عن المخاطر التي يمكن أن تواجهها، تقول منى: «ليس غريباً الشعور بالخوف، فكل بحار عاش هذه التجربة في الحقيقة، فكما يقال (البحر غدار) والداخل إليه مفقود والخارج منه مولود، خاصة في بحر منطقة الهوارية، ففي دقائق قليلة يتحول سكون البحر وهدوؤه، إلى عاصفة شديدة وجبال من الموج، غيبت في مرات عديدة بحارة أشداء ولكن القدر ربط مصيرنا بالبحر». وعن مشاعرها الخاصة تجاه البحر، تكشف منى: «دائماً ما أغني للبحر وأحكي له عما يدور في خاطري وأتحدث لأمواجه وأرسم على زبده أحلامي».

أنواع متعددة
تكشف منى الماجري أن بحر مدينة الهوارية غني بمختلف أنواع السمك، مثل (الورقة، المرجان، الدنديق، التريلية، الشلبة، البوري، المناني، إضافة إلى أخطبوط البحر، وكميات من غلال البحر)، وتضيف: «هذه الحصيلة الوفيرة من السمك، ستعود عليّ بأموال كثيرة، خاصة أن أسعار السمك تشهد ارتفاعاً جنونياً في الأسعار، كما أن الأنواع التي أصطادها تعد من الأنواع الفاخرة التي تتهافت على شرائها المطاعم السياحية، كون المصطافين والسياح يعشقون هذه الأصناف التي تميز مدينة الهوارية السياحية».