حين يتحدثون عنه، يقولون إن له سحراً جميلاً، يحنون له ويشتاقون، يتمنون رجوعه، فأي سحر في الماضي؟ أي ريح يطارد المرء حين يتحسر على أيامه؟ أم أي غيم يستظل بها، حين يستمطر ذكرياته؟
أهو سحر زمن ولّى، فلن يرجع؟ هل لأنهم عرفوه، بعد أن صار واقعاً تقبلوه، وبمرور الوقت سامحوه؟ أم أن واقعهم نظارة تزين البعيد، تضفي عليه لوناً بهياً جديداً، لم يكن له حين كان حاضراً؟ أم لأن المرء يعيد ترتيب الماضي كما يحلو له، من وجهة نظر تقلل ما فيه من مرارة، تزيد حلاوة أيامه؟ خاصة حين تروى الحكاية للغرباء، أم أنه صار رائعاً، لأن الحاضر أشد مرارة؟
إن الحنين للماضي - غالباً - ما يكون حنيناً لأيام محددة ومواقف معينة، حتى في الحنين اختيار وانتقاء، لو عاد للناس كما هو لما رضوا به مجدداً، يريدون ما فيه من هناء وسعادة فحسب؛ لتطعيم زمنهم الحاضر.
بعض البشر يعني الماضي لهم فردوساً مفقوداً؛ لأنه يمثل شهادة على إنجازاتهم ونجاحاتهم، وبتغير أحوالهم، يعبر في أيامهم كخواطر وذكريات مستعادة. هناك من يكرر أن زمنه أفضل من الزمن الذي يعيش فيه أبناؤه، كما قالت الجدات والأمهات سابقاً، كلٌّ يرى عصره أفضل من الجيل الذي تلاه، لكن الماضي جزء من الزمن، مثل كل أيام الدنيا، ليس عسلاً صافياً دوماً، ولا مرّاً علقماً سرمدياً، وإنما فيه منهما، حتى في السعد والهناء قد يكدرهما أمر بسيط، في الشقاء والحزن خير قد لا يراه كل الناس. هي نظرة الإنسان ووجهة نظره، قد تسبغ على الزمن محبة واشتياقاً، أو تنكره وتتمنى زواله.
يطلّ المرء على زمن طواه سجل الأيام، يبتسم ويسامح نفسه وغيره، بضحكة أو تنهيدة نختم الحديث ليرميه داخل زجاجة تسحبها الأمواج بعيداً عنه، على أمل أن يلقاه يوماً، قد رجع أجمل ما فيه في زمن اسمه المستقبل.