كثيرون منّا رأوا فيديو حادثة التنمّر، التي وقعت على أحد الطلبة في حافلة مدرسية مؤخراً، ولا يختلف اثنان عن الأثر المؤلم لمثل هذه الحادثة على النفس. ولكنني في هذه الرمسة لا أريد الدخول في تفاصيل الحادثة، لأننا لسنا الجهة المختصة ولأننا لسنا مطلعين على ما حدث، ولأنها أخذت صدى من البحث إعلامياً سواءً على وسائل التواصل الاجتماعي أم قنوات الإعلام الأخرى، وسأركز في سطوري على أثر العصر الرقمي على مستقبل تربية أبنائنا.
بمجرّد أن ظهر الفيديو على قنوات التواصل الاجتماعي، تحوّل غالبيتنا لخبراء في علم النفس والاجتماع والتربية، وأخذ كثيرون يكيلون التهم ويضعون الحلول لما حدث، ولكن سرعان ما هدأت القضية على وسائل التواصل، مثل أي موضوع نناقشه وانتقلنا لموضوع آخر، وأذكر قبل هذه الحادثة انتشرت على فترات قصص هنا أو هناك عن طفل تعرّض للإيذاء، بسبب لعبة إلكترونية ما أو أنه آذى نفسه، وهو أمر مؤسف أيضاً لا نرضاه، لكن ما الذي يجمع هذه الحوادث وغيرها في الوقت الحالي؟
ما يجمعها بنظري هو أثر التعرّض الرقمي، الذي يحظى به أبناؤنا ودوره في التربية وتشكيل الشخصية، وهنا لا بد أن أكون واضحة جداً أنني لا أناقش أو أقترح نبذ التقنية والقنوات، لأن ذلك يعتبر تعطيلاً لحياة أبنائنا اليوم وفي المستقبل، ولكن أريد معكم التأمل فيما يحدث لنجد معاً بعض ملامح الخلل. فيكون السؤال الأهم: هل التنمّر الذي نصادفه في المدارس وغيرها من الأماكن له جذورٌ رقمية؟
أهم جذور المشكلة رقمياً هو التنمّر الإلكتروني، الذي يشجعه البالغون من أفراد وجهات وذلك بقصد أو من دون قصد. فمثلاً يراقب أبناؤنا سلوكنا على منصات التواصل الاجتماعي، وطبيعة الفيديوهات التي تستهوينا على مجموعات التراسل مثل واتساب وغيرها، وحتى طبيعة ما نتابعه من محتوى عبر متاجر الفيديو الرقمي المعروفة لنا، ويكاد لا يخلو بيت منها اليوم.
لا أريد أن نفكّر بنفس طريقة من سارعوا لبيع أجهزة الألعاب الإلكترونية الخاصة بأبنائهم، عند وقوع حادثة تتعلق بألعاب الفيديو الشبكية التفاعلية، ولكن أريد أن نضع ضمن طريقة التربية، التي نختارها في التعامل مع أبنائنا، أمراً اخترت أن أسميه أنا التربية الرقمية. وأهم عنصر في هذه التربية هو خلق القدوة من أنفسنا وفتح قنوات وموضوعات حوار غير تقليدية مع أبنائنا وتلمّس ما يهمهم.
التنمّر ليس أمراً ينتهي اليوم أو غداً، بل يتعلّق أكثر بفهمنا للتغيرات المجتمعية حولنا. طريقة كلامنا في البيت ومع البقّال وغيرها، هي أمور يلاحظها أبناؤنا ويلاحظونها بشكل أكبر في تواصلنا الرقمي أياً كان. لذا هل نحن مستعدون للتعامل مع التنمّر الرقمي، ونفكّر في طبيعة التربية الرقمية التي نريدها لأبنائنا؟