بدا السؤال مُلحّاً من مؤمن يخشى وقوعاً في معصية، وبدت إجابة شيخ الدين في شقِّها الأول طبيعية وفق السِّياق إذا ما توافر عامل النِّية؛ لا يجوز تعظيم الصليب بوضعِه على الصَّدر أو الرَّأس، حتى لو كان في لباسٍ لفريق كرة قدم. ولكن شق الإجابة الثاني بدا عدائيّاً على نحو لا يليق بدين. أما أن يوضع في مكان مُهان كالحذاء أو الجورب فلا بأس.
لا أعتقد أن غيرة الإنسان على دينه، وانتصاره له، تكون بتلك الأساليب في إهانة مُقدَّسات الغير، بأسلوبٍ يدعوه إلى أن يردَّ إساءتي بإساءة. فالدعوة إلى إهانة مُقدَّسات الآخر إنما هي دعوة صريحة لإهانة الذات، وتأليب الآخر ليسلك مسلكي، يحرقُ كتابي المقدس، ويستهزئ برموزي الدينية، ليجيء دوري ثانية بردِّ الإهانة بإهانة أكبر وأكبر.
تذكرت وأنا أتخيل حرب إهانة المقدَّسات مقولة غاندي: إن العمل بمبدأ العين بالعين ينتهي بجعل العالم أعمى! ثم تذكرت أيضاً ما تعلَّمناه صغاراً بالتلقين؛ إن كلام غاندي لا يعدو كونه كلام حق أُريدَ به باطل، وأن الرَّجل مات على الهندوسية، وأننا استعجلنا مصيره بوكالةٍ اتخذناها من الله على خلقِه، وزججنا بالرَّجل في الدَّرك الأسفل من النار.
لعل من أفضال تلك الفتاوى دعوة المتلقي لإعادة النظر والبحث، ليخرس نزعة التنمر في داخله وهو يقرأ كلام الله عزَّ وجل في كتابه: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وجاء في التفسير، يعني: أصنامهم ومعبوديهم وذلك أن المسلمين كانوا يسبُّون أصنام الكفَّار فنهاهم الله عزَّ وجل عن ذلك لئلا يسبُّوا الله عدواً بغير علم أي: ظُلماً بالجهل. وفي تفسيرٍ لآيةٍ أخرى؛ قالَ المشركون: يا محمد لتَنهِيَنَّ عن سبِّ آلهتنا أو لِنهجوَنَّ ربَّك، فنهاهم الله تعالى أن يسبُّوا أوثانهم، وقيلَ إن المسلمين كانوا يسبُّون أصنام الكفار، فنهاهم الله عزَّ وجل عن ذلك، لئلا يسبُّوا الله فإنهم قومٌ جهلة.
في زمن الفوضى هذا، وانتشار الفتن والكراهية والدعوة إلى نفي الآخر وتأجيج الصراعات والحروب، لا يتمنى المرء من رجال الدين إلا كلمة حسنة، وفعلاً  طيباً ينأى بالمرء عن سفاسف الأمور، فكفى بالدين إهانة الآخر له حتى تجيء إهانته من بنيه، فلا يليق بدينٍ، أي دين، أن يصير إلى ما يدعو إليه البعض من إثارة للفتن. اتركوا المؤمنين سالمين بدينهم، أو انشغلوا بما يشغلهم اليوم من مصائب تهجير ونفي وفقر وشَيطنة وضعف وهوان، فالانتصار للدين، حتماً، لا يقوم على إهانة الآخر.
إن عامَّة الناس من البسطاء، ممن يحبون الدين ويجلُّون رجاله، فلا تدفعوا الناس إلى النفور منه والانقلاب عليه تطرُّفاً بدافع انتصار وهمي.