تكملة للتوريقة الماضية عن انهيار السلطة الرابعة، الذي أخذ بالتغير مع ظهور وسائل التواصل ذات السرعة الفائقة، وظهور الفرد نفسه بوصفه جهازاً إعلامياً ضارباً، يطلق الأخبار والآراء في تغريدة تنتشر بلحظات، هذا ما جعل محطة CNN تصف عصفور «تويتر» بـ«الطائر الثري»، واعترفت القناة الإخبارية الكبرى عالمياً، بتفوق المغردين على كل مندوبي الصحف والفضائيات في كشف الأحداث قبل الكل.
هنا تأثرت حال الصحف أولاً بانسحاب الإعلان عنها، لأن وسائل التواصل أقدر وأسرع وأشد تأثيراً في نشر الإعلانات، وكذلك هي أرخص.
وتراجع مقام صناعة الرأي في الصحف، لأن وسائل التواصل كشفت عن فضاء عريض للرأي، أدت لظهور نوع مختلف لنظرية الرأي العام، وتبين أن الرأي لم يعد رأياً عاماً واحداً، وإنما هناك آراء عامة متعددة، هكذا أثبت «تويتر» حين كشف عن تعدديات في الرأي والاتجاهات، ولذا انكسرت نخبوية (السلطة الرابعة) وانكسرت سلطويتها في صناعة الرأي وتسويقه على الحكومات.
وتبعاً لانكسار نظرية الرأي العام الواحد وظهور نظرية (الآراء العامة)، فإن الجريدة فقدت ريادتها الثقافية والاجتماعية، وظهرت استرسالاً لهذا مراكز صناعة الأفكار Thinktank، وهي مراكز تتاجر بالرأي وتبيعه للحكومات، وتبني قراءاتها لتوجهات الجمهور عبر تتبع منابت الرأي في الوسائل العامة، وهي أهم من بحوث استطلاعات الرأي التقليدية التي منيت بنكسات كبرى في توقعاتها الخاطئة في انتخابات بريطانيا والبريكست، وفي توقعات انتخابات أميركا وغيرها، وهنا تتغلب وسائل التواصل ومراكز صناعة الأفكار لكسب الدور المؤثر في كشف توجهات الرأي.
والخاسر الأكبر هنا هي الجرائد، كما يؤكد ألان روسبردجر، إذ أشار إلى رسوب «جريدة الجارديان» (وقد كان رئيس تحريرها وصانع مجدها الحديث لعقود) ورسوب الصحافة بعامة في امتحانات العلاقة مع القراء، ويرى أن الصحف خيبت تطلعات القراء وقت الأزمات مثل أزمة البريكست (خروج بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي)، حيث عجزت عن شرح حقائق العلاقة مع أوروبا، كما حدثت خيبات مع أزمات البيئة والاقتصاد والبطالة، وهي قضايا مصيرية يمر بها الناس، ولم تفلح الصحافة في جعل هذه القضايا قريبة للناس ولا مفهومة ومستوعبة. وهذا فشل ستدفع الصحف ثمنه غالياً بانصراف الناس عنها، لشعورهم بعجز الصحافة عن لعب دورها القديم بوصفها سلطة رابعة. وكأنما تخلت الصحافة عن مسؤوليتها الأخلاقية أمام قرائها من باب العجز، مما جعلها تظهر بصورة العاجز.