من يلتفت إليه وهو يحركهما؟ من يلتفت إليهما وهما تتحركان؟
من يلتفت إليهم جميعاً؟
يد الشاعر، تلك التي يرسم الشاعر بها قصيدته، فيمارس نوعاً من السحر والإغواء للحضور أو المشاهدين، في صورة لا علاقة لها بالخدع البصرية، بل لجذب العيون والمشاعر، نحو تفاعل أكبر مع النص والإحساس به، ولتغوص بهم في عمق المشهد الشعري.
يد واحدة، أو يدان، تتفاعلان مع القصيدة، مع شاعرها، ترسمان كلماته ومعانيها وأحاسيسها. تتحركان بإرادته ولا إرادته، وحين يطلق لهما العنان، ترتفعان حيناً، وتنخفضان حيناً آخر، فتشيران تارة إلى الشاعر نفسه، وتارة إلى المتلقي، وتارة إلى السماء، أو الفضاء، أو المعنى الذي يقصده، أو إلى ما خلف المعنى، أو إلى مكان ربما لا يعرفه إلا هو.
هل تأملتَ يوماً، كيف يمكن أن نميز صورة الشاعر الذي يلقي شعراً عن ذلك الذي يقرأ خطاباً نثرياً؟
لن نجد إشارة أجمل من حركة يده حينها!
اليد جزء مهم من القصيدة. فهل تخيلت يوماً، شاعراً يلقي قصيدته وهو مكتوف اليدين؟ أو شاعراً يلقي قصيدته بلا يدين؟
تأكد أنك ستسمع قصيدة باردة، بلا روح، بلا يدين! قصيدة مقيدة، لن تصلك القصيدة كاملة، لن تصلك إيماءات القصيدة، لن ترى يديها. هناك جزء مفقود منها. ولذلك، لا يستطيع بعض الشعراء التخلي عن تحريك أيديهم منذ نطقهم بالبيت الأول في قصائدهم.
هناك صورة، قيل إنها للشاعر لوركا لحظة تنفيذ حكم إعدامه رمياً بالرصاص، وهي في الحقيقة ليست له، لأن إعدامه جرى على التلال القريبة من غرناطة، وليس في المكان الذي بدا في الصورة سجناً. كما أن الشخص الذي في الصورة أكبر سناً من لوركا الذي أُعْدِمَ شاباً. لكن اللافت في هيئة الشخص في الصورة - إن صح أنه شاعر - أنه كان واقفاً رافعاً يده اليمنى كأنه يلقي قصيدته في تحدٍّ صارخ للموت، كأنه يقول إن الشاعر أكبر من الحكم عليه بالإعدام، والقصيدة أكبر من القضاء عليها برصاصة أو 10 رصاصات. كانت حركة يده تلك تمثّل نصف القصيدة، إن لم تكن القصيدة كاملة.