جمعتني جلسة بطفل لا يتعدى عمره ست سنوات وأمه. الأم تحاول إقناع صغيرها بالانتقال إلى مدرسة أخرى، لأنها من وجهة نظرها الأفضل لمستقبله، لكنه يرفض الفكرة، لأنه يريد الاستمرار مع أصدقائه، ولا يريد الابتعاد عن «مس مريم». بالفعل نقلت الأم طفلها في نهاية العام الدراسي ووضعته أمام الأمر الواقع، وكما قالت للأخصائية لا بد من ذلك، وكما بررت، فهو صغير وعاطفي ولا يدرك مصلحته في هذا السن. والسؤال: هل جميع الآباء والأمهات يدركون فعلاً مصلحة أطفالهم؟ وهل يدركون حقوقهم الفعلية؟

نماذج
جلست في غرفة الانتظار في أحد المستشفيات وجلست بقربي طفلة قد تبلغ من العمر 11 عاماً وأخوها أربع سنوات، وفي يد كل منهما جهاز الهاتف المتحرك، وهما يشاهدان ويستمتعان مرة باللغة العربية وأخرى بالإنجليزية من خلال موقع اليوتيوب إلى أغانٍ وبرامج ومسلسلات من الأفق المشرع من دون رقيب ولا حسيب.
يدخل الوالدان مهرولين من بوابة المستشفى، يحمل الأب ابنه الذي يبلغ من العمر خمس سنوات، يضعه على سرير الطوارئ، وتصرخ الأم مستنجدة بإحدى الممرضات المشغولة بحالة أخرى، يأتي الطبيب المختص بطب طوارئ الأطفال بخطوات هادئة، ويبدأ يقلب جسد الطفل يميناً ويساراً، ويرفع رأسه وبصوت هادئ يطلب من الممرضة أن تتواصل مع طبيب الأعصاب، من دون حتى سؤال الأهل عن المشكلة الطارئة التي حدثت، يصرخ والد الطفل متسائلاً هل أنت طبيب أم ماذا؟ ويخطو الطبيب خارجاً وهو يردد سنرى سنرى. يتحدث الطفل إلى أبيه حيث يخبره بقصة تعرفه إلى أحد الأصدقاء مؤخراً، والذي يكبره بسنتين تقريباً لأنه يسبقه في المدرسة، وأن هذا الصديق يعيش في إحدى الدول الغربية ومهتم جداً بالتجارب الفيزيائية، والأب يستمع إلى ولده باهتمام ويطلب من ابنه أن يعرفه إليه ويدعوه لزيارة بلده للتعرف إليه وإلى عائلته ليطمئن قلبه.

حقوق
يهتم المتخصصون في التربية والدراسات الاجتماعية بالطفل، ومن خلال ملاحظاتهم لسلوك الأطفال عن كثب، ركزوا كثيراً على حقوق الطفل، وأجمعوا على أن للطفل حقوقاً على الوالدين التأكد منها، كما أمر الدين والثقافة والإنسانية، ولكن من الملاحظات نرى أن الحديث عن حقوق الطفل، يتمحور حول العنف والإهمال، وأن علينا حماية الطفل من كل ما قد يضر به جسدياً وعاطفياً ونفسياً، ووضعت القوانين للتأكد من ذلك، ولكن الحقيقة أن هذا جزء من حقوق الطفل، وهناك العديد من الأساسيات لتحقيق السعادة للطفل والحياة الكريمة، ليكون ذا شخصية سوية.
حقوق الطفل واجبة على الوالدين وإن كانت المؤسسات المدنية هي المسؤولة عن بعضها:
- إلى جانب حمايته من العنف يجب تأكيد حقه في تناول الغذاء الجيد بدءاً بالرضاعة الطبيعية والتغذية السليمة وتوفير الأغذية من مصادر سليمة وصحية.
- حقه في التعليم الجيد، وحرص الوالدين على متابعة ما يقرأ، وكيف يفكر، وكيف يصنِّف، ويكوِّن رأياً، لا أن يكون إمّعة، وكيف يكون مفكراً ناقداً ومبدعاً.
- توفير الخدمات الصحية رفيعة المستوى للحفاظ على صحته ووضع البرامج الوقائية للحد من الأمراض، وتوفير الدعم المادي للمتخصصين لدراسة الواقع الصحي ووضع البرامج للتعامل مع المسببات المرضية.
- توفير أماكن الراحة والاستجمام وممارسة الأنشطة لتحقيق الرفاهية والاستمتاع.
- وفي هذه المرحلة الزمنية يجب تقنين استخدام الأجهزة الإلكترونية وحماية الطفل من استخدامها حتى عمر محدد.

استشارة
* كثيرون حولنا يرددون كلمة مريض نفسي، ويبررون تصرفات وسلوكيات لأشخاص بأنهم مرضى نفسيون، هل المرض النفسي مبرر لتصرفات خطأ؟ ومتى نقرر أن الشخص مريض نفسي يحتاج إلى زيارة الطبيب؟
- المرض النفسي ليس مبرراً للسلوكيات الخاطئة، فإذا كان الشخص عاقلاً وراشداً، ويستطيع التمييز بين الصح والخطأ فهو مسؤول، وإذا حدث أنه ارتكب جرماً مثلاً ويدّعي المرض النفسي، فهناك مقاييس علمية يمكنها كشف الحقيقة، والمريض النفسي شخص طبيعي جداً، ولكن لديه بعض الصعوبات في التعامل مع الأفكار أو المشاعر، ويحتاج إلى الدعم. وقد تكون لديه مشكلة قد تعيقه عن تأدية مهام حياته اليومية، لذا فهو يحتاج إلى مساعدة.