ببرنامج حافل بالحب والحنين والوطن والثورة، افتتح الفنان اللبناني مارسيل خليفة مساء الجمعة مهرجانات بعلبك الدولية بحفلة عنوانها "تصبحون على وطن" شكلت رحلة موسيقية غنائية تظهر وجوهه الفنية المختلفة.
وقد وجه خليفة خلال الحفلة أكثر من تحية لبعلبك وتاريخ مهرجاناتها وبعض أبنائها الذين تعاون معهم في مسيرته الفنية.
وملأ الجمهور الآتي من كل المناطق اللبنانية المدرجات التي تتسع لنحو ثلاثة آلاف شخص في باحة معبد باخوس، ليستمتع بأغنيات خليفة القديمة والمجددة والجديدة والملتزمة دوماً قضايا الإنسان والوطن، أو تلك الشعبية الناعمة.
وبدت موسيقى خليفة الأوركسترالية متسقة مع ضخامة أعمدة المكان الأثري، في إطلالة هي الأولى له منفرداً ضمن مهرجانات بعلبك في المدينة نفسها.
وجلس خليفة في وسط المسرح مرتدياً قميصاً أزرق وسترة رمادية وواضعاً وشاحاً أبيض، محاطاً بالأوركسترا الوطنية الفيلهارمونية اللبنانية التي ضمت نحو 80 عازفاً  بقيادة المايسترو لبنان بعلبكي. ورافقته جوقة من 70 منشداً تابعة لجامعة سيدة اللويزة.
وشاء خليفة، أن تكون البداية والختام مقطوعة موسيقية ألفها خصيصاً لبعلبك عنوانها "ليلة بليالي". وقدم مقطوعة موسيقية عنوانها "صلاة الليل" مستوحاة من اللحن الشعبي "الحنة" الذي اعاد صوغه بضخامة سيمفونية، أهداها إلى كل (الفنانين) الذين مروا في بعلبك ورحلوا كالأخوين  رحباني وتوفيق الباشا وزكي ناصيف وصباح ونصري شمس الدين وآخرين. وقال: "ليس بالامر السهل أن تكتب لبعلبك”.

وقدم مقطوعة "رقصة العروس" التي ألفها في بداياته لفرقة كركلا الراقصة، وكانت باكورة تعاونه مع مؤسس الفرقة ابن بعلبك عبد الحليم كركلا. 
ووجه تحية إلى كركلا الذي كان حاضراً بين الجمهور، بعدما روى أن حفلة كركلا التي قدمت فيها هذه المقطوعة أقيمت في 12 أبريل 1975 عشية اندلاع الحرب اللبنانية (1975-1990)، وبعد انتهاء الحفلة الثانية في اليوم التالي، أصيبت الراقصة أميرة ماجد برصاصة في عمودها الفقري جراء الاشتباكات التي دارت يومها، اقعدتها مدى الحياة، فكانت من أولى ضحايا الحرب. 
وقبل أن ينشد "بغيبتك نزل الشتي" للشاعر طلال حيدر، "ابن بعلبك البار" كما وصفه، روى وقائع لقائه الأول مع حيدر في باريس برفقة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وكان هذا اللقاء باكورة علاقة فنية "جميلة جداً" ثمرتها مجموعة كبيرة من القصائد التي لحنها له.
وعزف نجله رامي "روكييم لبيروت" التي حصدت تصفيق الجمهور، وهي مقطوعة موسيقية جنائزية تروي قصة بيروت الحرب والسلام،  والدمار والإعمار، والمأساة والأمل، والشغب والشغف، وفيها تنوع يعكس مزاج العاصمة اللبنانية.
وروى ظروف تلحينه أغنية "عصفورة" للشاعر المصري صلاح جاهين، محيياً شقيقته التي قدمت له ديوانه بعد حفلة قدمها في القاهرة، ورحلت قبل ستة أشهر، ومن خلال هذه الأغنية وجه خليفة تحية إلى الفنان المصري الراحل سيد درويش قائلاً عنه: "لقد علمنا الكثير في الأغنية الشعبية وحاولت أن آخذ منه هذا العبق في الإيقاع والنغمة".
وتضمن برنامج حفلة خليفة "فكر بغيرك" و"اذهب عميقا" من كلمات الشاعر محمود درويش، و"انهض يا ثائر" للشاعر السوري أدونيس، و"اكتبني قصيدة" للشاعر اللبناني حبيب يونس، وهي أغنية وصفها بأنها "شعبية".
وقبل أن يطلب من الجمهور أن يردد معه كلمات إحدى الأغنيات، خاطب عدداً من السياسيين الجالسين في الصفوف الأمامية قائلاً: "أصدقاءنا الرسميين الوزراء والنواب، لا بأس إذ غنيتم معنا". وعندما استجابوا طلبه، خاطبهم مجدداً: "أرأيتم كيف تغيرت الأغنية عندما شاركتم في غنائها؟"
وطعم برنامجه ببعض أغنياته القديمة التي وصفها بـ"الكلاسيكيات"، وكان أولها “ريتا"، ودمج "سلام عليك" و"أحن إلى خبز أمي "، وقال "كنت أتمنى أن تكون أمي حاضرة لكنها رحلت قبل القصيدة وقبل الأغنية".
وتحول الجمهور الى جوقة حين غنى "منتصب القامة ". وبعدها قدم "نشيد الجسر" ووجه تحية الى مؤلفه الشاعر خليل حاوي "إذ أنه حين شاهد أول جندي إسرائيلي في بيروت أطلق النار على نفسه".
وكان خليفة أحيا حفلة ضمن مهرجانات بعلبك في العام 2013 ولكنها أقيمت في بيروت إذ كانت التوترات الأمنية في لبنان ألقت آنذاك بظلالها على هذه المهرجانات، مما اضطر إدارتها إلى نقل بعض العروض الى أماكن مختلفة من بيروت.
وشارك خليفة في العام 2015 بعرض "الك يا بعلبك" تحية إلى "مدينة الشمس"، إلى جانب فنانين آخرين.
وتستمر مهرجانات بعلبك حتى الثالث من أغسطس مع عروض أخرى من بينها حفلة "عبق الأندلس" مع المغنية جاهدة وهبة و"أمسية مع عبد الحليم" وعمر بشير وفرقته في الختام.