زارت العاصمة السعودية مؤخراً، واحدة من أبرز الفرق الأوبرالية في العالم، وهي فرقة لاسكالا الإيطالية، وقدمت عرضاً موسيقياً مميزاً بقيادة المايسترو بيترو ميانيتي، وبمشاركة مهمة من السوبرانو فرنسيسكا مانزو والتينور ريكاردو ديلا سكوتشا، يذكر أن هذه الفرقة الأوبرالية قدمت ثمانية عروض موسيقية من القرن الـ19. وحملت هذه المشاركة عنواناً جميلاً هو «رحلة الأوبرا الإيطالية».
افتتحت الفنانة السعودية سوسن البهيتي ليلة الأوبرا الإيطالية بأداء النشيد الوطني السعودي على الطريقة الأوبرالية، وعود على بدء فإن الأوبرا الإيطالية هي الثالثة التي تحط رحالها في العاصمة السعودية الرياض، بعد الأوبرا اليابانية والمصرية، وعلى الفور يتبادر إلى الأذهان سؤال عريض: ما علاقة السعوديين بالموسيقى الأوبرالية؟ خاصة أن العروض الموسيقية الأوبرالية التي قدمت في السعودية في السنوات الأخيرة تحديداً، لقيت رواجاً وحضوراً وشيوعاً وانتشاراً لافتاً للنظر، الأمر الذي كان محل ملاحظة الجميع، وهنا أود أن ألفت النظر إلى أن علاقة السعوديين بالموسيقى الرفيعة إذا جاز لي التعبير ذات البعد الثقافي والفكري، وهو ما تعبر عنه الموسيقى الأوبرالية، وطيدة للغاية منذ خمسينات القرن الماضي.
فقد جلب السعوديون الذين هاجروا مبكراً، لطلب العلم ومزاولة التجارة والاقتصاد والسياحة والمعرفة في ذلك الوقت المبكر من حياتنا، جلبوا لنا هذا النوع من الثقافة والمعرفة المطلوبة، فبعد أن تعرفوا إليها ومحّصوها من أجل استيعابها، من حيث القيمة الفنية في أوروبا وأميركا، جاؤوا بها إلى المجتمع السعودي وخاصة الطبقة الأرستقراطية في مجتمعنا، وقدموا لنا هذه الموسيقى في صالوناتهم، مع إضاءات مختصرة ومفيدة وضرورية للتعريف بهذا النوع من الثقافة الموسيقية الرفيعة، التي يجوز لي أن أسميها هكذا، وتوارث السعوديون هذه الثقافة وتداولوها عبر الزمن، حتى أصبحت لصيقة بشكل عام، كجزء من المكون الثقافي للمجتمع السعودي، الذي تعيش فيه شرائح كبيرة مهتمة بالموسيقى والفنون علماً ومعرفة وممارسة، ومن الطبيعي أن يكون المستوى الذهني الرفيع، هو ديدن ذلك الشكل الذي كان عليه الحضور في أمسية فرقة لاسكالا الأوبرالية، وهو نفسه كان عند قدوم الأوبرا اليابانية والمصرية، وكذلك الفنانون العالميون الذين قدموا في السعودية عروضاً مشوقة من الغناء والموسيقى كالإيطالي بوتشيلي الذي قدم عرضاً موسيقياً وغنائياً بالزي السعودي، لفت الأنظار وحقق نجاحاً كبيراً بعد أن شعر بتفاعل الجمهور السعودي معه كثيراً. وقدم عدد آخر من الفنانين العالميين عروضاً متنوعة في المدن السعودية الكبيرة، التي يتسم ساكنوها بمعرفة جيدة بالموسيقى الأوبرالية، ويميلون إليها بل إنهم يبحثون عنها ويسافرون من أجلها، فكيف اليوم، وهي تحط رحالها بينهم، وهو المطلوب لإحداث الفارق في التنوع والمحتوى الفكري الذي يحتاج إليه الإنسان أي إنسان في أي بيئة كانت أو جغرافيا.
ويأتي هذا المنجز الاجتماعي كما يروق لي تسميته، بعد أن برمجت الحكومة السعودية أنشطتها وعملها، وضمنت روزنامتها الجانب الثقافي والفني وحاجة المجتمع المحلي لتوفير هذا المنتج المهم في بناء الوعي والسلوك عند الإنسان، لذلك فإنه كان الناتج الكبير الذي تحقق جراء إطلاق برنامج جودة الحياة في السعودية بعد مرور ثمانية أشهر من انطلاقته.