وجدت الشابة الإماراتية فرح القيسية في تلعثمها، منحة وهبة ميزتها عن الآخرين، واستطاعت أن تكون ضمن الشخصيات التي قدمت أعمالاً جليلة في المجتمع من خلال تبنيها مبادرة «تلعثم» المجتمعية لتنال «جائزة وسام أبوظبي للتميز»، لا سيما أن التلعثم مثّل عائقاً بالنسبة إليها في الماضي، وكان مصدراً للألم والإخفاق في الحياة إلى أن نجحت في تحويل أزمتها إلى نقطة انطلاق لتمضي قدماً إلى الأمام، وتصبح إحدى الشخصيات الملهمات في المجتمع، خاصة بعد أن وجدت ضالتها في مساعدة الآخرين من المتلعثمين.

تقول القيسية عن طفولتها والصعوبات التي مرت بها بسبب التلعثم: «لم أشعر يوماً في طفولتي بأنني أعاني التلعثم، خاصة أن لي أخاً هو أيضاً من المتلعثمين، ولم يدرك والداي ما كنا نمر به أنا وأخي وظنا أن شيئاً ما في الحياة يخيفني، لذلك لا أستطيع التحدث بطلاقة، ولم تمثل هذه الحالة مشكلة بالنسبة إليَّ في البداية، إلى أن بدأت معاناتي عندما سخرت من قراءتي معلمة الصف أمام الطالبات، لأنها اعتقدت أنني لم أتدرب على القراءة ولم أدرس جيداً، فهي لا تعلم مثل الكثيرين في المجتمع ما هو التلعثم، وهنا بدأت بالانطواء والخجل من المحيطين».
وعن كيفية مواجهة تلك الصعوبات، تشير القيسية إلى أنها تؤمن بأن الأمل يولد من رحم المعاناة، ورددت هذا المعنى كثيراً خلال حديثها عن سنوات الخوف والارتباك التي مرت بها أثناء الفترة المدرسية خاصة مرحلة المراهقة، مؤكدة أن الطفل في هذا العمر، يحتاج إلى مزيد من الحنان والحب من المحيطين ليعزز ثقته بنفسه وهذا ما كانت تفتقده لأن من يحيطون بها في المجتمع ليسوا على وعي كافٍ بمعنى التلعثم».

نقطة الانطلاقة
عن نقطة انطلاقتها نحو المجتمع بعد أن مرت بسنوات عصيبة من الوحدة والانطواء والخجل توضح القيسية: عندما التحقت بالجامعة قررت أن أتخلص من حالة الوحدة والخوف وأخرج من الشرنقة التي تقوقعت داخلها أجمل سنوات حياتي، خاصة عندما طلبت الكلية من جميع الطالبات تقديم عرض حي في إحدى المواد التعليمية، وكان عليَّ أن أشارك في توضيح وشرح المشروع الخاص بي أمام الدكتور والطالبات، هنا كنت أمام طريقين إما أن أظل داخل الشرنقة وأرسب، وإما أن أتحدى نفسي والمجتمع وأجبر الجميع على احترام معاناتي والاستماع إليّ كما أنا، وبالفعل بدأت في تقديم العرض الخاص بي بجملة: «أنا متلعثمة وأرجو أن تصبروا علي وأنا أتحدث إليكم».

مبادرة مجتمعية
عن مبادرة التلعثم المجتمعية تقول القيسية: «التلعثم ليس له علاج جذري إلى الآن، فقط التدرب على التحدث بهدوء وأخذ نفس عميق للتمكن من نطق الحروف الصعبة، لذلك أطلقت مبادرة اجتماعية بعنوان «تلعثم» عام 2013 بهدف رفع الوعي بالتلعثم من خلال إطلاق منصة لدعم من يعانون التلعثم في الإمارات، لتوفر لهم فرصة التحاور وتبادل الخبرات والمعلومات، وفي الوقت ذاته نشر الوعي عن التلعثم بين ذويهم للوقوف على كيفية التعامل معهم وتقبل مشكلتهم حتى لا يقعوا فريسة الخجل والانعزال عن المجتمع.

إيجابيات التلعثم
توضح القيسية أن التلعثم قد منحها الكثير من الإيجابيات مثل الاستماع إلى الآخرين والإنصات أكثر من التحدث، وبالتالي اتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب ما أثرى شخصيتها وصقلها، وجعلها تفكر جيداً قبل النطق بأي كلمة قد تؤذي الآخرين أو أن تجيب عن أحد الأسئلة بطريقة خاطئة فالتلعثم جعلها تتأمل وتتفكر وتتصرف بحكمة وروية في كثير من الأمور والمواقف الحياتية.

 مساعدة المتلعثمين
تقول فرح القيسية عن التلعثم: «هو صعوبة في نطق بعض الحروف أو الكلمات وعدم القدرة على التحدث بطلاقة، تعاني التلعثم نسبة 1% من سكان العالم، وبمقارنة هذه النسبة بعدد سكان الإمارات يعني ذلك وجود حوالي 100 ألف شخص في الدولة يعانون التلعثم، وهذه الحالة تسبب الحرج للشخص المتلعثم عندما يواجه الناس، لذلك شعرت بأهمية مساعدة المتلعثمين وأسست المبادرة المجتمعية «تلعثم».

تحدي الفشل
توجه القيسية شكرها لكل من وقف بجانبها، خاصة عائلتها وزوجها الذي كثيراً ما شجعها على خوض المبادرات المجتمعية، مضيفة: «لن أنسى معلمتي في المرحلة الإعدادية فسخريتها مني، قد أضرتني قليلاً في الماضي، لكنها صقلت شخصيتي، وكانت سبباً في أن أتحدى الفشل وأحاول من جديد، فلا تزال نبرة صوتها عالقة في أذني، وأجد فيها حافزاً قوياً لكي أمضي قدماً إلى الأمام، وأساعد المجتمع في التعرف على التلعثم ومساعدة المتلعثمين كي يندمجوا في المجتمع ويحققوا نجاحات ويتميزوا مثل غيرهم من الأصحاء».