يوجعني انتظارك كما الألم الخفي، وتوجعني أكثر لغتك التي تكبر في دمي حتى يقتلني الدوار. دعني فقط أسند بعض خوفي إليك، وأسألك كما سيدة العشق الأولى: أما زلت تحبّني أم صنع لك الغياب أوجهاً أخرى لم أعد أعرفها؟ أخاف عليك منك ولن أدعك تفلت من قبضة الريح نحو شجن القيامة. صغُرت كل مطالبي يا قلبي، ولم أعد قادرة على اقتفاء الطائرات التي تسرقك مني في كل ساعة، وترميك حيث يزهر الغياب. أحبّني وامضِ بي حيث شهوة الأسفار. صغرت مطالبي ولا شهوة لي سوى أن أغمض عينيّ وأفتحهما عليك، قبل أن تنام. لملِمْني كي لا أنطفئ كما الغيمة أو أنفاس العاشقة. سنة تمضي وأخرى تجيء. وأنت تكبر في منافي الروح وتؤنسها.
كم كنت وحيدة قبل مجيئك محملاً بالياسمين والخزام وعود النوَّار البلدي. سنة تهرب وأخرى تستنجد بي، فكيف لي ألا أراك وأنت أنا؟ دعني في يقيني، لا أصدق ما تراه رؤاي. كيف للظلمة أن تغرقني وأنت منْ أنبتني فيك؟ كيف لا أنحني لك وأنا مثقلة بك؟ مفعمة بتاريخ الوجع الذي بيننا، وبشعلة حنين تعيدني كما الموجة الهاربة، إليك. كيف لي ألا أضع يدي في كفِّك بعد أن ضاعت مني المسالك والسبل قبل أن أعبرها فيك؟ كيف لي ألا أسكنك وأنت بيتي الأخير الذي منحني الدفء وألبسني الانتظار ودثَّرني في زمن العراء؟ عيني في عينيك ولا شيء أراه فيك غيري، وإذ أراني لا أراني إلا بك. نكبر معاً في الظل، وعندما توقظنا نجوم الفجر الأولى نبحث عن ملامحنا، ونركض في عرض سماء نشتهيها لنا فقط. منحتني قطرة الماء التي تسبق الموت عطشاً، فسحبتني نحوي. أنت من دسّ البحر في عينيَّ، ثم أخذتني من كفِّي على حين غفلة، وركضت بي على كل حواف الدنيا ولم أرَ شيئاً غير قلبك وابتسامتك التي سرقَتْني من غفوة العاشقة. يوم خانتني الألوان كلها، وتخلّت عني موجة الشوق، سحبت قوس قزح، ألبستني زناراً من حرير الغيم، وأوقدت شعلة القلب ولونته بالنار. من يملك سحر اللون بالنار سوى عاشق يمضي في الحياة ولا يلتفت نحو السؤال.