لستُ أؤمن بإشارات الصُّدف، إنما يطيبُ لي تصديقها إذا ما وافقت أهوائي.
كثيراً ما أحظى بهدايا يُكرمني بها القارئ. يُسلِّمني إياها في مُغلَّفٍ في مناسبة ما. وغالباً ما يكون هذا القارئ مصريّاً، يعبر عن محبته أو امتنانه بهديةٍ كريمة عادة ما تكون تذكاراً، صُنِع يدوياً، يحملُ اسمي أو عنوان رواية أو ما شابه. أُنهي زيارتي إلى القاهرة عادة مزحوماً بكم المحبة في صورة هدايا تذكارية أحملها معي إلى المطار عائداً للكويت.
لي عادة قديمة بعدم فتح مُغلَّف الهدايا في حين تسلُّمها، بعدما أتأكد من صاحبها أن هديته غير مرهونة بتاريخ صلاحية، أحتفظ بها إلى وقتٍ يمتدُّ أشهراً، وأحياناً أكثر، وأنتظر مناسبة ما أُكافئ بها نفسي بهدية قارئ.
سارة، إحدى القارئات المصريات المخلصات التي تحرجني بذوقِها وكرمها دائماً، بقراءتها ما أكتب، وبحضورها المناسبات التي أكون فيها ضيفاً في القاهرة، وبهداياها التذكارية الجميلة التي أحملها معي إلى الكويت. في زيارتي الأخيرة التي تزامنت مع معرض القاهرة الدولي للكتاب، فبراير الماضي، أهدتني سارة مُغلَّفاً صغيراً على عادتها، احتفظتُ به فوراً في حقيبتي الصغيرة، مع وعدٍ ذاتي مؤجل لفتح المُغلَّف في يومٍ في علم الغيب.
حينما فرغتُ من تحرير رواية صغيرة قبل أيام، واجهت تجربة جديدة آلمتني في غمرة فرح، أن إسماعيل فهد إسماعيل الذي رافقني قارئاً ضمنياً أثناء الكتابة، لن يقرأ مسودة الرواية هذه المرة، لن يشاركني رأيه في التفاصيل، لن يهنئني، ولن يبتاع دزينةً من الحلويات من المحل في أسفل العمارة، التي تضمُّ مكتبه في الصالحية احتفالاً بإنجازي عملاً جديداً: «بوركت!».
تركتُ مكتبي وأوراقي وذهبت إلى زاوية الغرفة، حيث سلَّة الهدايا المؤجلة، أمسكتُ بهدية سارة بعد أربعة أشهرٍ من تسلُّمها، وجلست أُقشِّر مُغلفها الورقي ببطء مثل طفل، على سبيل التخمين، يُفكر ماذا في داخلها.
كانت الهدية على شكل قرص مدهون بمادة لامعة، قَطع خشبي دائري لجذع شجرة مُحاط بلحائها، خالٍ وجهه الصَّقيل من أي تفاصيل عدا الدوائر في قلب الشجرة. قلبتُ القرص على وجهه الآخر، وإذا بوجه إسماعيل فهد إسماعيل، باسماً، مرسوماً على القطعة الخشبية. وأُقسِم بأني أنصتُّ لصوت أبي فهد مُدوِّياً في أُذُني: «بوركت!».
أنا، في هذه المرة، أؤمن بإشارات الصُّدف، ويطيبُ لي تصديقها أكثر من أي وقتٍ آخر.
شكراً لسارة التي اختارها إسماعيل فهد إسماعيل رسولةً تنقل لي مُباركته العمل الجديد.