من الأمور التي تثير انتباهي في كتب التاريخ، قولهم إن جماعة في تلك البلاد ماتت بالكوليرا أو التيفوئيد أو الطاعون، وأسأل نفسي كيف عرفوا ذلك والأمراض تتشابه كثيراً في أعراضها ومظاهرها؟ ولا يمكن القطع بأسباب تلك الأمراض إلا بالمعاينة المباشرة لمخلفات المرض.
أصاب الطاعون العديد من الأمم والحضارات في العالم، لعل أشهرها في تاريخنا طاعون «عِمواس» في عهد عمر بن الخطاب الذي قتل الكثير من الصحابة في الشام، والموت الأسود في أوروبا الذي هلك من ورائه الملايين.
كنت أقرأ كتاب «مختصر تاريخ الأركيولوجيا» لـ(براين فيجن)، والذي ذكر واقعة تستحق الانتباه، يقول إنه عندما تم بدء العمل بمشروع مترو لندن، كان علماء الآثار يرافقون العمّال في شق الأنفاق، فتمت استعادة 10 آلاف قطعة أثرية و3000 هيكل عظمي، كثير من الآثار تم انتشالها من أسفل محطة ليفربول في لندن، حيث وُجدت مدافن ومقابر لضحايا طاعون سنة 1665، والذين أصيبوا بالطفح الجلدي الأسود، كما تذكر كتب التاريخ. ولتأكيد كون ذلك الطاعون هو الطاعون الذي نعرفه اليوم، أخذ العلماء عينات من مينا أسنان الضحايا، فجاءت النتيجة أن القاتل هو بكتيريا الطاعون الذي نعرفه اليوم وتم حل لغز الموت الأسود، إلا أن ذلك لا يعني أنه نفس الطاعون الذي أصاب العرب أو الأوروبيين من قبل.
قد لا تكون هناك فائدة كبرى من البحث في أمراض السابقين، إلا لمن يمتلك شغفاً وفضولاً كبيرين. لكن الأمراض القديمة قابلة للتكرار والحدوث والتفشي، فمرض الإيدز الذي عُرف جيداً في الثمانينات، قد يكون مرضاً قديماً لم يُشخص إلا باسم «الحُمى» في كتب التاريخ، لعلنا نجد في كتب الطب القديمة والمندثرة والمُهملة علاجات قديمة، لأمراض كانت متفشية عندهم، قد تصلح لعلاج أمراض معاصرة عندنا لم يُكتشف لها علاج بعد، فمن يدري من أي جهة ستسقط تفاحة نيوتن؟