هل ما زلت الصحافة سلطة رابعة؟
مرت الجريدة منذ ظهورها عالمياً وعربياً بمراحل عدة، حيث كانت مجرد تحرير للوقائع، وفي مصر كانت «جريدة الوقائع» عام 1828 ثم ظهرت «جريدة الأهرام» عام 1885 وفي الأهرام ظهر المقال بصيغته الأدبية وبصفته مقال رأي، وغلبت مقالات الرأي والمقال الأدبي على الجرائد العربية، لدرجة أن ترى في واجهة الصفحة الأولى من جريدة «صوت الحجاز» السعودية مقالات لحمزة شحاتة عام 1940 معنونة بـ«بين النقد والجمال»، وهي سلسلة مقالات امتدت لأسابيع، تظهر تحت ترويسة اسم الجريدة مباشرة، بينما كانت الأخبار في الصفحة الأخيرة من الجريدة، ولم يكن الخبر ذا بال في الجريدة، لأن المذياع يقدمه في نشرات يومية أولاً بأول بينما يتأخر الخبر في الجريدة، ولذا ظل مكانه في الآخر، ولا يحمل إغراء من أي نوع بما أنه مستهلك ومعروف سلفاً.
ولكن الجريدة مع الزمن عززت موقعها الإعلامي والاقتصادي، وأصبحت السلطة الرابعة، وهي الصفة التي اكتسبتها الجرائد عالمياً، وذلك مذ تبنت مقال الرأي، وهو الرأي السياسي ثم الاقتصادي والاجتماعي، وبهذا صارت تصنع الرأي العام، وصارت الحكومات والشركات تهتم بكل أمر صحافي لما له من أثر بالغ في تشكيل الرأي وتوجيهه.
وهذا كثف من قوتها الاجتماعية وزاد أعداد القراء، حسب مهارة كل جريدة في تقديم مقالات رأي قوية، وهنا تراجع المقال الأدبي ودخل الصفحات الداخلية، وأصبح من المحال أن ترى مقالاً عن الفن والجمال في الصفحة الأولى، بل إن الصفحة الأولى صارت الأغلى سعراً من بين كل الصفحات، لتسابق المعلنين لنشر إعلاناتهم فيها ليتصدروا فضاءات الاستقبال. وهنا أصبحت الجريدة قوة اقتصادية بسبب أرباحها الكبرى من الإعلان، مع قوتها في صناعة الرأي، واستحقت صفة السلطة الرابعة.
(يتبع...)