يُعد شعور الإنسان بالتعب بعد عناء وكد وجهد، أمراً عادياً، لكن أن يستيقظ من النوم وهو تعب، وينام وهو تعب، ويتعب وهو جالس فهو أمر محير، إهماله قد يكون خطيراً، فلنبحث عن السبب.

يُذيّل هذا النوع من التعب المستمر باسم «متلازمة التعب المزمن»، وهو ليس حالة طبيعية بل مرضاً التهابياً، يمكن تشخيصه من خلال فحص دم بسيط. وفي التشخيص، يظهر أن الشخص الذي يعاني هذه المتلازمة ينتج جهازه المناعي طفرة في 17 بروتيناً، وكلما زادت هذه البروتينات اشتد التعب. ويرد الأطباء هذا النوع من التطور الصحي الذي يُنهك الجسم إلى التهاب ما يُصيب الدماغ والنخاع وينتج عنه التعب الشديد وآلام في العضلات واضطرابات في النوم وصداع. والسؤال، كيف تتسبب الأمراض الالتهابية بالتعب؟ تتسبب الأمراض الالتهابية المزمنة مثل التهابات المفاصل والأمعاء والصدفية وأمراض الكبد تغييراً في سلوكيات المريض ينعكس تعباً ملحوظاً وشعوراً بالضيق وبتدني الاهتمام الاجتماعي مع العلم أن الطبّ كان يعتقد سابقاً أن التهاب الأعضاء غير قادر على التأثير في الدماغ والسلوكيات. لكن، الدراسات الجديدة نقضت الاعتقادات السائدة ودلّت على أن الخلايا المناعية قادرة على الوصول إلى الدماغ.

«أنا متعبة»
«أنا متعبة».. كم نردد مثل هذه العبارة يومياً. لكن، ماذا قد تعني هذه الجملة فعلياً؟
يحثُّ الأطباء مرضاهم على دراسة الأبعاد المختلفة للتعب بأنفسهم، بطرق ذاتية وموضوعية، لأنه لا أحد قد يفهم جسم الإنسان كما نفسه، والمعلومات التي يقدمها تُشكل فهما أعمق لدور الالتهاب في تحويل التعب الفسيولوجي إلى مرضي. ومعلوم أن الالتهاب يُسبب إحساساً عاماً بفقدان الدافع والحوافز. والتعب المزمن يؤثر سلباً في جودة الحياة. فما الرابط بين الاثنين؟ وكيف نميز بين تعب جسدي عادي وتعب مرضي؟ أسئلة تتكرر.
التعب هو عملية فسيولوجية تكيفية تشير إلى أن الجسم يريد أن يستريح، لكن، في بعض الحالات، تفقد الوظيفة التكيفية فعاليتها ويُعيق التعب الاستمرار في المسائل التي كانت للتو تعد مهاماً روتينية. والأسوأ أن من يعانون هذا النوع من التعب يفشلون في جعل الآخرين يفهمون ما يشعرون به وطبيعة الأعراض التي يمرون فيها. إحداهن ممن عانت فترة طويلة التعب المزمن، وكانت تداويه بالمسكنات، تبين بعد أعوام أن مشكلتها الأساسية، المخبأة، كانت سرطان الثدي، وهي طالما حاولت أن تخبر طبيبها بما تشعر به: «أعاني تعباً مزمناً ونقصاً في الطاقة وأشعر بأنني عاجزة عن وضع قدم أمام أخرى. أشعر بحاجة دائمة إلى النوم وذاكرتي بدأت تخونني».

ماذا عن العلاج؟
يستخدم معظم «المتعبين» الكلمات نفسها في وصف حالات التعب الفسيولوجي والمرضي التي يمرون فيها، وغالباً ما يُساء تفسير حالاتهم، لذا لا بد من فهم أفضل لها عبر تحديد العوامل التي تحول التعب إلى عملية مختلة وظيفياً وتعلم كيفية منع الوقوع بين براثن هذا التعب غير المتكيف. وأحد أهم العوامل التي تلعب دوراً في تحويل التعب الفسيولوجي إلى مرضي، هو وجود التهاب ما في الجسم. فما الحل والعلاج؟ يفترض عدم التغاضي عن حالات كهذه بحجة أنه قد يكون مجرد تعب، فالإنسان الذي يستيقظ صباحاً تعباً عليه أن يعي أنه ليس في صحة جيدة.

نوع الالتهاب
متعبون دائماً؟ منهكون جسدياً؟ مشتتون ذهنياً؟ ابحثوا عن نوع الالتهاب في أجسامكم قبل أن تخلدوا إلى النوم، لأنكم إذا لم تفعلوا هذا ستستيقظون أكثر تعباً. هذا ما تشير إليه كل الدراسات الجديدة وهذا ما بات يُفكر فيه الطب الحديث في كل مرة يأتي إلى عيادات الأطباء مريض متعب بعدما كانوا يدرجون مشكلته تحت خانة التوترات النفسية.
الطب يتطور، والاكتشافات تتلاحق، وليس هناك حالة مرضية ليس لها سبب واضح. التعب المزمن حالة مرضية لها سبب عضوي. ابحثوا عنه بدل أن تصدقوا أن تعبكم سببه أنكم تجهدون أنفسكم أو أنكم تمرون في حالات اكتئاب. وتذكروا أن مشكلة من يستيقظ تعباً بعد نوم يزيد عن ثماني ساعات أبعد من حالة إجهاد أو اكتئاب. تذكروا أن وجود التهاب ما في مكان ما في الجسم بات يُدرج في خانة «متلازمة التعب المزمن».