بعد أسابيع من عرض شركة «نيتفلكس» الأميركية المسلسل العربي الأول «جنّ»، الذي تنتجه وعرضته منصتها، لا يزال العمل يواجه بركاناً من الانتقادات، على الرغم من أنه تشويقي خيالي معاصر.

خيالي.. لا وثائقي
يجيب المدير العام للهيئة الملكية الأردنية للأفلام، جورج داوود، وهي مؤسسة حكومية مستقلة مالياً وإدارياً تأسست عام 2003 بهدف تطوير صناعة الأفلام الأردنية للتنافس عالمياً، عن سؤال: لماذا تستهدف «نيتفلكس» الفئة الشبابية؟ بالقول: «تسعى نيتفلكس جاهدة لاختراق السوق العربية، بمحتوى يجذب اهتمام أكبر شريحة في المنطقة، وهذا النوع من المسلسلات (خيالي بتقنيات تصويرية وإخراجية عالية)، يجذب المشاهدين الشباب بتقنياته وأسلوبه الديناميكي، مما يعني مزيداً من الاشتراكات المدفوعة». وكان الأمير علي بن الحسين، رئيس اتحاد غرب آسيا لكرة القدم ورئيس اتحاد الأردن لكرة القدم، في تغريدة له قد علق مستغرباً ومستنكراً ما أثير مؤخراً حول المسلسل، وقال إنه ليس وثائقياً في الأساس. ويذكر أن زوجة الأمير علي هي الأميرة ريم العلي، التي تشغل منصب عضو في مجلس مفوضي الهيئة الملكية الأردنية للأفلام منذ عام 2005.

توضيح من الهيئة
في توضيح من الهيئة الملكية الأردنية للأفلام بخصوص المسلسل، ورد أنه بحسب قانون إنشائها، يكمن دور الهيئة في تشجيع الإنتاج المحلي واستقطاب الإنتاج الأجنبي في البلد وتسهيل التصوير، ولا يوجد في نص القانون عن أي مهمة رقابية للهيئة، وبالتالي لا ننظر في النص أو السيناريو، لكن هذا لا يعني أننا نتنصل من مسؤولياتنا، بل إننا نلتزم بالمهام المنوطة بنا، وهذا لا يعني أيضاً أن الهيئة تؤيد أو تشجع أو تحبذ أو توافق على مضمون الأفلام أو المسلسلات. وأكّدت الهيئة أنّ مسلسل «جن» يعرض على «نيتفلكس» فقط، وهي منصة عالمية موجودة في 90 بلداً، لا يمكن مشاهدة أي محتوى عليها لغير المشترك فيها، وبعد سداد رسوم الاشتراك، بالتالي هي ليست منصة مفتوحة، بل لكل فرد الخيار في الاشتراك فيها من عدمه.

حرية التعبير
اللافت أن ثمة مطالبات بمزيد من الحريات والخيارات الشخصية، كما صرّحت هيئة الأفلام في بيانها الرسمي، معقبة: «عندما نواجه حالات كهذه، ينسى البعض هذه المطالب، ففي نهاية المطاف هذه قضية خيار شخصي لمشاهدة أو عدم مشاهدة عمل قد لا نتفق على محتواه». واللافت أيضاً أن الكثير من الذين علقوا على مسلسل «جن» لم يشاهدوه أساساً، بعضهم اكتفى بمتابعة مقتطفات فقط منه ممنتجة بطريقة مضللة». وأكّدت الهيئة: «نتابع ردود فعل وتصريحات الجهات الرسمية وشبه الرسمية، ونأخذها محمل الجد، ورفعناها إلى مجلس مفوضي الهيئة ليدرسها ويردّ عليها كما يراه مناسباً».

الفكرة لكاتبين أميركيين
السؤال الذي تكرر في وسائل التواصل الاجتماعي، هل بادرت الطاقات العربية بالتواصل مع «نيتفلكس» أم العكس؟ لكن يمتنع أي مصدر من فريق العمل، أو أي جهة رسمية من التصريح أو الإجابة في الوقت الحالي، لكن جورج داوود مدير الهيئة الملكية للأفلام في حوار يعود لمارس 2018 يقول: «تعود الفكرة للأخوين المخرجين والكاتبين والمنتجين الأميركيين إيلان وراجيف داساي، اللذين عملا مرات عدّة على مشاريع في الأردن، وقد استهوتهما التجربة، وكانا قد شاركا في إنتاج حلقة من مسلسل (ستار تريك: ديسكوفيري) العام الماضي، ولفتا انتباه «نيتفلكس» بفيلمهما القصير (سيم)، اللذين كتبا نصه وأخرجاه وأنتجاه في الأردن».

البذيء ليس إباحياً
من جانبه، يؤكد الكاتب ومقدم برنامج (تنفيس) الساخر، كامل نصيرات، أن توصيف مسلسل (جنّ) بالإباحي، هو توصيف خاطئ، مشيراً إلى أن «ليس كلّ بذيء إباحياً»، وأضاف: «احتوى المسلسل على عشرات الألفاظ البذيئة أو النابية، وكان هناك تقصّد واضح في اجترارها، وثلاثة أو أربعة مشاهد اعتبرها البعض حميمية، مما كان مثيراً للجدل، فبعيداً عمن يطالبون بإعادة تعريف الحريّة والنزول على رأسنا كلّ مرة بالمصطلح الرعوي (الحرية المسؤولة)، لأنّ كلمة الحرية وتنهيجها يجب ألا يتبعهما أو يسبقهما مضاف أو مضاف إليه أو نعت، وإلا سنبقى في المربع الأول وستبقى أحلامنا عرضة للاغتيال باسم الحرية المسؤولة».

توسيع الفجوة الاجتماعية
اعتمد المسلسل، تبعاً لنصيرات، على توسيع الفجوة الاجتماعية، وهي اختلاف التركيبة الاجتماعية لسكان عمّان الغربية، والتي جسدها أبطال المسلسل، عن باقي مناطق عمّان والمدن الأردنية الأخرى، مما يوسّع الفجوة في المجتمع المحلي وكأنّ مجتمع عمّان الغربية بيئة متدنية جداً في الأخلاق والتعامل مع الأشياء. ويتطرق نصيرات لنقطة لم يعرها أحد اهتماماً، وهي بحسب قوله: «المدرسة التي جرت فيها الأحداث في الأصل هي مدرسة تنويرية (اختلاط وحريّة ونشاطات وأفكار مبنية على العلم)، فيأتي المسلسل بفكرة (متخلفة) عن الجنّ، ويجعلها تعشعش وتتمدد في رؤوس الطلبة التنويريين، وتصبح المدرسة التنويرية فجأة راعية للخرافة بدلاً من العلم».

ضبط الفن على إيقاع المجتمع
بقدر ما فتح «جن» فوهة بركان من الانتقادات والهجوم على من يريد - تبعاً للمهاجمين- أن يخرب القيم الاجتماعية، بقدر ما أثار العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات، على رأسها: ما مساحة الحرية المسموحة للفن؟ ورداً على هذا السؤال يقول المحامي عاكف الداوود: «كيف يمكن للفن أن يعبر عن المجتمع من دون أن يكون حراً؟ أي كيف يمكن أن تظهر الصورة الدرامية حقيقية من دون أن تعبر عن حقيقة الحياة ذاتها؟».

الاعتراف علناً بالتحول الاجتماعي
السؤال الأهم الذي يواجهه اليوم المدعي العام، الذي يحقق في القضية ذاتها حسب المحامي عاكف الداوود هو: «في ضوء التطور التقني الرقمي، كيف يمكن أن تمارس الدولة سلطتها على المرئي والمسموع من أنواع الفنون وتمنع عرضها، بينما يملك السلطة التقنية والفنية التي تتيح له ذلك؟ وكيف يمكن ضبط الإيقاع الفني على الإيقاع الاجتماعي؟».