مرت عليَّ تغريدة في «تويتر» يقول كاتبها (بما معناه)، هل من المعقول أن تصل السخافة بالإنسان إلى البكاء على موت كلب؟ وهذه ليست المرة الأولى التي أقرأ فيها تغريدة من هذه النوع، بل إن هذه العينات موجودة في حياتنا اليومية، يجلسون في مجالسنا ويأكلون معنا من صحن واحد، إلى أن تُصدَم بهم حين يستخفون بمشاعر آدمي يحزن لفراق قطته أو كلبه قائلين: (إلا هو حيوان)!

مثل هؤلاء لن يفهموا كيف شن جون ويك، حرباً ضروساً وأقام الدنيا وأقعدها ثأراً لكلبته، التي قتلها أفراد عصابة في الجزء الأول من السلسلة. قد يصفقون ويمتدحون الفيلم، لكنهم يرونه قائماً على فكرة خيالية مضحكة وُجِدت للضرورة الدرامية لا أكثر، فهم يستنكرون وجود شخص، مثل جون ويك خارج إطار السينما. ذلك أنهم لا يضعون في الحسبان القيمة العاطفية للأشياء، وما تعنيه للآخرين، بالإضافة إلى ما تحتمه علينا إنسانيتنا تجاه بقية الكائنات الحية. وبغضّ النظر عن المبالغات والبهارات الهوليوودية الضرورية، فإنّ جون ويك يمثلّني، ويترجم مشاعر الغضب والقهر التي تتملكني إزاء كل من يقتل حيواناً من دون مبرر، أو يعذبه بدافع التسلية. والشعور بالرضا والتشفي الذي يغمرك حين تشاهد الفيلم، ما هو إلا إشباع وتهدئة لـ«جون ويك» الصغير بداخلك، حتى لا يكبر ويقودك إلى ما لا تحمد عقباه.

جون ويك
«جيتكم واحد وجيتوني جماعة.. كلكم ضدي ترى ما هي شجاعة». تذكّرت هذا البيت الشهير للشاعر حامد زيد، بمجرد أن رأيت الملصق الإعلاني للفيلم. ففي نهاية الجزء الثاني يخرق جون ويك أهم قانون في «فندق الكونتيننتال» حيث ينزل القتلة المأجورون، إذ يقتل أحد أعدائه على بلاط الفندق الذي يحظر إراقة الدم داخل المبنى، مما يدفع المدير إلى وضعه على القائمة السوداء، فتُخصَّص مكافأة مالية ضخمة لمن يقتله، ويصبح جون ويك مطارداً من مئات القتلة المحترفين في نيويورك وخارجها، ويسعى بشتى الوسائل للنجاة بحياته من موت محتوم. وهنا أتذكر المقولة: «في سعيك للانتقام؛ احفر قبرين، أحدهما لنفسك».

قوة الفيلم
من المثير للإعجاب ثبات سلسلة John Wick على مستواها، بل تطورها من جزء إلى آخر. يكفينا أن نلقي نظرة على تقييمات ومراجعات السلسلة في موقع IMDB: الجزء الأول 7.4/‏10، الجزء الثاني 7.5/‏10، الجزء الثالث 8/‏10 لندرك أنّ قوة الفيلم تكمن في فوزه بإعجاب الجمهور والنقّاد معاً. أحد أسباب هذه القوة أن العمل لم يفتعل سيناريوهات جديدة من العدم ليصنع جزأين إضافيين بعد نجاح الأول، بل أكمل مسار الأحداث على الخط المستقيم نفسه الذي بدأت منه، ليصبح الجزءان الإضافيان قائمين أساساً على العواقب المنطقية التي يجنيها جون ويك بعد ثأره لكلبته، لا أكثر ولا أقل. بعكس بعض الأفلام التي إذا نجحت جماهيرياً؛ صنع منتجوها أجزاء إضافية منها كأنهم يفرقعون حبوب الفشار، بسيناريوهات مبتذلة وحبكة رخيصة، فقط لجني مزيد من الأرباح.

علامة فارقة
سلسلة جون ويك أصبحت علامة فارقة في عالم الأكشن. الصناعة الفنية والعناية بالتفاصيل والمشاهد القتالية المبهرة والحس الساخر في الفيلم؛ جميعها عناصر ترقى بالجزء الثالث إلى مستوى جديد. على سبيل المثال مشهد ركوب جون ويك للخيل في شوارع نيويورك ليلاً ومطاردته من قبل القتلة، كان مشهداً آسراً وخاطفاً للأنفاس.