كسر فيلم «الممر» بنجاحه الجماهيري والنقدي، قاعدة غياب الأفلام العسكرية عن شاشة السينما المصرية منذ زمن طويل، وبالأخص الأعمال التي تناقش الصراع العربي الإسرائيلي، منذ عام 1948 وحتى انتصار أكتوبر 1973. ويتناول فيلم «الممر» دور قوات الصاعقة المصرية خلال حرب الاستنزاف، وعلى رأسهم قائد المجموعة (39 قتال) الشهيد إبراهيم الرفاعي. الفيلم من بطولة: أحمد عز، إياد نصار، أحمد فلوكس، هند صبري، أحمد رزق، محمد فراج وآخرين. الفيلم الذي عرض في عيد الفطر، يناقش نقاد وفنانون مصريون، نجاحه، ويردون على سؤال: لماذا انقطعت الأفلام السينمائية العسكرية، حتى جاء «الممر» ليعلن عودتها؟

دليل قوي
يقول الناقد السينمائي طارق الشناوي، إنه لفت نظره وجود أطفال كثر يتابعون الفيلم مع أهاليهم، ولمس شدة حماسهم عندما كانوا يقفون ويصفقون بشدة فرحاً ببطولة جيش وطنهم، مضيفاً: «هذا دليل قوي على نجاح الفيلم، وسقوط مقولة أن الأفلام العسكرية أو التي تتناول بطولات الجيش يجب أن تنتجها الدولة، فرغم أن الفيلم إنتاج خاص، لكن توافرت فيه عوامل الجذب التي جعلته يصل إلى قلوب وعقول المشاهدين بدليل تأثيره في هؤلاء الأطفال. وأرى أن نجاح تجربة «الممر» تعيد الثقة بإمكانية إنتاج أفلام جادة تشد الجمهور».
يأتي الشناوي بسبب آخر لنجاح «الممر» بالقول: «كان البعض يعلل عدم تقديم هذه النوعية من الأفلام بالرد الجاهز، وهو أن تلك الأفلام تحتاج إلى ميزانيات كبيرة لإنتاجها، لكن هذا الرد يمكن تفنيده، إذ إنه من الممكن أن تحصد تلك الأفلام إيرادات أكبر من ميزانيتها، إذا ما تمّ تقديمها بشكل فني جيد يرضي جماهير السينما، ويبتعد بهم عن (الكليشيهات المحفوظة) سواء في الجمل الحوارية، أو التناول البصري للمشاهد، وهذا ما حدث»، وشدد الشناوي على ضرورة تأكيد صُناع السينما على تقديم عمل سينمائي ينمي الشعور الوطني والولاء والانتماء، ويمجد بطولات المصريين العسكرية وهو واجب السينما المصرية، وليس بحاجة إلى أن تنتجه الدولة وإنما يكفي فقط دعمها اللوجستي».

10 أفلام فقط
يرى الناقد نادر عدلي أن السينما المصرية قبل فيلم «الممر»، كانت مقصرة من ناحيتي الكم والكيف في تناول انتصار أكتوبر، موضحاً: «هناك 10 أفلام فقط تناولت في جزء منها معارك حرب أكتوبر، هي: (الرصاصة لا تزال في جيبي، بدور، الوفاء العظيم، أبناء الصمت، أغنية على الممر) وجميعها إنتاج عام 1974، وأفلام (حتى آخر العمر- إنتاج 1975)، و(العمر لحظة - إنتاج 1978)، و(الطريق إلى إيلات - إنتاج 1993)، و(يوم الكرامة - إنتاج 2004)، والفيلم الإنساني (حكايات الغريب - إنتاج 1992). ومالا يعرفه كثيرون أنه تم وقف إنتاج أفلام أخرى، إلى جانب منع البعض الآخر بزعم الظروف السياسية التي كانت تعيشها الدولة في هذه الفترة أو ربما لتناولها للوضع السياسي بشكل صريح، فلم تلقَ رضى السلطة». وحول نجاح فيلم «الممر» جماهيرياً، يقول: «الفيلم ليس ظاهرة وتختفي، بدليل أن معظم الأصوات النقدية في مصر، التقت برأيها مع النجاح الجماهيري، وهذا يدل على نجاح التجربة فنياً ونقدياً وجماهيرياً، مما سيحفز على إنتاج مزيد من هذه الأفلام».

محاولات متواضعة
يقول الناقد محمود قاسم، إن السينما المصرية كان لديها رصيد محدود لتوثيق التاريخ العسكري، الذي حقق فيه الجيش المصري انتصارات كثيرة، أهمها انتصار أكتوبر 1973، مضيفاً: «ورغم قوة الحدث إلا أن المحاولات كانت متواضعة للغاية، سواء فنياً أو إنتاجياً أو حتى من حيث التناول والمضمون، باستثناء أفلام قليلة فقط كانت على مستوى الحدث. وطالب قاسم بإنتاج أفلام تقدم هذا الحدث بشكل سينمائي راقٍ وجاد وإعادة تقديمه للجمهور من خلال أفلام ذات قيمة فنية، مؤكداً أن: «(الممر) أسس قاعدة سينمائية صلبة، يمكن البناء عليها مستقبلاً في هذا النوع من الأفلام، وشخصياً أتوقع أن يكون للأفلام العسكرية نصيب في المواسم السينمائية المقبلة».

أصعب الشخصيات
يؤكد بطل الفيلم الفنان أحمد عز، أن هذه النوعية من الأفلام تحتاج إلى تعاون عدة جهات في إنتاجه وتقديم الدعم المادي واللوجستي له. ويلفت عز إلى فترة التحضير الطويلة قبل التصوير، معللاً الأمر بالقول: «شخصيتي في الفيلم من أصعب الشخصيات التي قدمتها على المستوى البدني ومستوى التنفيذ، لأن معظم التصوير خارجي وتم في الصحراء ويحتاج إلى جهد كبير في الحركة. وكنت قد تدربت على استخدام السلاح والمعدات العسكرية حتى أتقنها بصورة كبيرة، وأستطيع القول إننا كنا في الفيلم، عبارة عن جيش حقيقي، فالفيلم يناقش الفترة بعد نكسة يونيو 1967 إلى 1968، مع تكوين أول وحدات للصاعقة المصرية، وتم استخدام الذخيرة الحية في مشاهده، وبالتالي كل الإمكانات كانت متاحة لنا، كما أن الفيلم ليس حربياً بالمعنى الكامل، ففيه جوانب إنسانية مشرقة».

يدون الناقد السينمائي عماد الدين حسين ثماني ملاحظات حول فيلم «الممر»:
-1 الفيلم هو الأول من نوعه الذي يوجه نقداً واضحاً لا لبس فيه، لأداء القيادة في مصر خلال حرب يونيو 1967، خصوصاً القيادة العسكرية، ويحمّلها مسؤولية الهزيمة هي، وليس الجنود أو الضباط الذين كانوا متمسكين بالقتال حتى اللحظة الأخيرة، لولا أوامر الانسحاب.

-2 يحتفي الفيلم بحرب الاستنزاف التي بدأت عقب الهزيمة مباشرة واستمرت ثلاث سنوات حتى بناء حائط الصواريخ عام 1970.

-3 الفيلم احترم عقول المشاهدين، ولم يتعامل مع صورة العدو الإسرائيلي بالصورة النمطية التقليدية، التي تظهر الجندي الإسرائيلي متخلفاً وغير متزن وأشعث الشعر. في هذا الفيلم كان هناك نوع من التوازن والمنطقية.

-4 نجح الفنان الأردني إياد نصار في خطف الأنظار، ومثّل ببراعة منقطعة النظير دور الضابط الإسرائيلي قائد المعسكر، الذي يتلذذ بإذلال الأسرى المصريين وهدم روحهم المعنوية وقتل بعضهم.

-5 مقابل شخصية إياد نصار الماكرة، كانت شخصية «الضابط المصري» مكتوبة بحرفية. فهو متحمس وقوي وغيور على وطنه ويتحرق شوقاً للثأر من الهزيمة. هو مثقف ويجيد العبرية بطلاقة ويرد على الضابط الإسرائيلي في كل الموضوعات من أول الأرض إلى الدين.

-6 نجح الفيلم بصورة كبيرة حينما ركز على معركة محددة في الصراع العربي الإسرائيلي، وهي مهمة تدمير موقع إسرائيلي في قلب سيناء. ولم يغرق الفيلم في الخطوط العامة للصراع المعروفة للجميع.

-7 كانت هناك بعض الهنات في كتابة وبناء الفيلم. من ذلك مثلاً بعض المشاهد الخطابية المباشرة في أكثر من موضوع، وكأنها «حصة تربية وطنية أو قومية في مدرسة ابتدائية».

-8 الفيلم سيدخل تاريخ السينما المصرية، في ما يتعلق بإعادة بث الروح الوطنية في نفوس الشباب وتعريفهم بجوهر الصراع مع العدو الإسرائيلي، الذي احتل أرضهم وأرض أشقائهم العرب.