الأشجار المعمرة تصادق الزمن، لا تتحداه كما يقولون، صداقة وطيدة تزداد رسوخاً، منها أشجار الصنوبر والزيتون. مرّت عليها الفصول كلها، عبرتها قرون عدة، فما انكسر جذعها، وما يبس ورقها وسقط، إلا ليخضر ويزهر من جديد. تأقلمت مع تغيرات المناخ صامدة مقاومة بحب وعزيمة، كثير منها ما زال يثمر إلى الآن. بعض هذه الأشجار وصفت بأنها عمّرت أكثر مما عمّر نوح عليه السلام، فأطلق على واحد من البساتين شقيقات نوح، وهو بستان فيه أشجار زيتون معمرة تتجاوز 5000 عام، موجودة في قرية بشعلي في لبنان. ما أجمل أن يكون الإنسان شقيقاً للأشجار! كم من الحياة والحب والعطاء ستمنحه هذه العلاقة.
للأشجار قصة ترويها الأيام، هي ظل ومأوى للمقيم والمسافر، خير وزاد، معاني القوة والصمود. مجلس للقاء والتسامر بين الأهل والأحباب. هي الروح النابضة للمدينة، رئة تتنفس بها، تتزين بالورد وبالخير تثمر، لونها الأخضر يملأ القلب بهجة وأنساً، ترسم الفرح الدائم. تسمع الأشجار الحكايات كلها؛ فتصير مخزناً لكل القصص والأسرار، لا تفشيها للرياح، لا تتسامر بها مع القمر. لا تبوح بها إلا لمن يعرف لغتها، بيده الحانية على جذعها، بلمسات من أصابعه على أوراقها، وبنظرته الوادعة.
شجرتنا الوطنية دوماً هي النخلة، عمتنا المكرمة، تملأ القلب والمكان، يستفيد الناس من ثمرها، سعفها، وكل أجزائها. ازداد البشر والفرح حين صارت شجرة الغاف رمزاً لعام التسامح، رؤية الشعار في كل مكان، يذكر بمعاني العام وأهدافه، شجرة الغاف التي كانت وما زالت ظلاً ومأوى للبشر وللطير ولكثير من الحيوانات أيضاً، تفرد أغصانها كأجنحة عن اليمين والشمال مكونة مظلة، تتسع للجميع، تتقبلهم رغم اختلافاتهم، بتعاونهم وصنعهم ليوم مميز ومستقبل واعد. هذه الشجرة صديقة الطفولة، حلم الأيام القادمة.
وهناك شجرة معمرة أخرى، هي جزء من الشجرة في الوقت ذاته، فحروفها مسطرة على الأوراق، نحن مع الجاحظ حين يقول عنها: إني لا أعلم شجرة أطول عمراً، ولا أطيب ثمراً، ولا أقرب مجتنى من كتاب. الأشجار والكتب والطيبون الأخيار منهم نتعلم الصمود والمحبة والعطاء، بهم نزداد بهجة وعلماً.
أيها العشاق لا تجرحوا جذوع الشجر حين تكتبون أسماءكم وتاريخ اللقاء، لا يخلد الحب بالجرح بل بالوفاء. أخبروها بأسراركم وأمنياتكم. وهي ستدعو لكم بدوام الوصل والهناء.