المثقف كما عرّفه الجاحظ، هو من يعلم شيئاً عن كل شيء، وبهذا التعريف المقتضب، ليس لدينا الكثير من المثقفين، وإلا لما كانت لدينا هذه الحروب، ولما كان الموت موشحاً نشرات الأخبار بالسواد، لكان الناس عرفوا أن الحروب لا منتصر فيها، وأن الموت ليس له جنسية معينة، وأن دمار المدن حالة مرضية تنتمي إلى التتار، وليس إلى العصر الحديث الذي تسوده الأنظمة الإنسانية الراقية.
هناك مجموعة من المثقفين العرب، يعترف كل من يعرفهم أو يلتقيهم بثقافتهم واطلاعهم على الكثير من الأمور في الحياة، ومنهم المتحدث المتميز، ومنهم الكاتب المبدع، ففي الجانب الثقافي هو محل إشادة من جميع من يعرفونه، ولكنه في الوقت ذاته يمارس سلوكاً اجتماعياً أبعد ما يكون عن سلوك المثقف، في الكثير من مناحي الحياة، ولكنه مثقف.
وهناك مثقف متميز اجتماعياً، ولديه حضور بارز على ساحة التأليف والكتابة والندوات، ولكنه يمارس النصب على الآخرين، وفي ذمته من حقوق الآخرين ما ليس في ذمة نصاب أو محتال، ولم تقف ثقافته حائلاً بينه وبين حقوق الناس.
وعلى هذا النسق نجد الكثير ممن أسهموا في إشعال الحروب في بلدانهم، ومن لم يأسفوا على ذلك، على الرغم من مؤلفاتهم في التنمية والاقتصاد والعدالة والديموقراطية، ومنهم من يترأس حزباً ولديه من الخبرات الكثيرة التي كان من الواجب أن تُحصنه من الانزلاق في الدمار، ولكنه على الرغم من ذلك فشل في إيجاد التوافق بين ثقافته وممارسته الحياتية، لكنه مثقف.
يعرف المثقف قبل غيره أن الغيرة والحسد والحقد مشاعر هدامة، للإنسان والمجتمع، ولكنه يمارسها بوعي تام، وباختيار مسبق من دون أن يجد نفسه مضطراً إلى ذلك، والسؤال هنا، كيف حدث ذلك أو يحدث، ولم تقم ثقافته حائطاً بينه وبين المشاعر الإنسانية الهدامة؟ وكيف ينساق المثقف إلى سلوكيات الجاهل، وتكون ثقافته نظرية، وسلوكه أبعد ما يكون عن نظرياته وقناعاته الشخصية؟ وكيف أنه لم يخلق التوافق بين ما علم وما يقوم به من هدم لكيان المجتمع، لكنه مثقف.
أعرف أن المثقف هو إنسان ثقّف نفسه لنفسه أولاً، وقد يقدم للمجتمع شيئاً من ثقافته من خلال كتبه أو ندواته أو حواراته، وإن لم يقدم شيئاً فلا ضير في ذلك، ويكون قد عاش مثقفاً لنفسه، ولم يستفد المجتمع من وعيه وثقافته، فهناك مثقف يكذب بكل أسف، ومثقف مدمن، ومثقف يسرق، ومثقف خائن، ولكنهم مثقفون.
الطبقة المثقفة في أي مجتمع هي المحرك للبناء، وهي الموجه لكل ما يرفع المجتمع إلى مراتب النجاح والرخاء والأمان والخير، ومن أجل ذلك يجب على المثقف أن يكون سلوكه متوافقاً مع ثقافته، حيث إن خطأه قد يتبعه الكثير من عامة الناس.

شـعر

ها أنا أبدأ شدوي
والذي يقتل فيها
وغناء يتبارى
قال حققتُ انتشارا
ها هي الأرضُ خرابٌ
وبها ضاعت حقوقٌ
إنها تبني الدمارا
حينما نرهبُ جارا
صار فيها الأمن طيفاً
صارت العتبى نعيماً
كلما جاء استدارا
قلَّ إن نلقى اعتذارا