أنت وأنا صرنا بعيدين!
ليلك هو نهاري، شمسك هي قمري، لم تعد تظللنا سماء واحدة، ولا الأرض ذاتها تحملنا، بيننا قارّات ومحيطات تفصلنا. صرت أعيش في زمانين مختلفين، أحس بمكانين متباينين، أعيش هنا وهناك. كل ما يعبر يومي لا أستطيع أن أصفه في رسالة صوتية، والفيديوهات لا تتسع لكل نبضات الحياة.
ها هو الفراق يتسع بيننا، يتساقط الوقت لحظات متتابعة على ورق الأيام، تمتد الصحارى فينا، نقاوم الغياب، حتى لا يصبح الغائب عن العين غائباً عن القلب، نتوق للحضور الكلي معنا، لنهزم المكان، ليذوب الزمن.
بين مشاغلك وكتبك وأبحاثك تحاول أن تجد دقائق لتهاتفني فلا تتمكن، أنتظر الليل لأحدثك فأغفو بين أحضان الكتب، أو لا أحد يردّ على الهاتف في الجهة الأخرى من العالم. قل لي كيف أعبّئ الوقت كله بما فيه من أحداث؟ كيف أحتفظ به لتعيشه معي؟ أفي الرسائل الصوتية حلّ؟ هل بحة الصوت تختزل ألف ثانية؟ هل في لهفة الصوت والكلمات والصور اختصار للحكايات؟
في كلّ الأماكن أجد طيفك يحوم حولي، في المقهى أتأمل الطاولة التي كنت تجلس عليها، الزوايا التي كنت تلتقطها بكاميرتك، ما تطلبه من قهوة، كل شيء حولي يفتقدك، يبحث عنك في صمت، أكتم تنهيدة قد تجرح كل الذكريات. ثم أمضي لأسترخي في غرفتك بين كتبك وأوراقك، أتأمل عطورك، وعلبة الشاي المفضلة لديك، الورود التي جففتها، آخر رواية قرأتها. على جدرانك أتأمل تذكرة سفرك التي ألصقتها على الحائط، والبطاقات البريدية التي تزين الجدران.
أي شوق هذا الذي يفتك بي؟ يعيد ترتيب الذكريات، غيابك واشتياقي علّماني ما لم أتعلمه من قبل، غمساني في تجربة لم أتخيلها سابقاً، علّماني أن الشوق نور تشرق به الأيام، تطمئن به النفس وتسكن، هو الصبر الجميل، الوعد بالفرح القادم. كنست كل ما علق بذاكرتي مما قرأت عن لظى الحنين ولوعة المشتاق، نار الفؤاد والحسرات والتنهيدات؛ لأن الشوق نور ودفء، يغيب معه الأشخاص ويبقى الإخلاص، بقي طيفك معي قوياً ومحباً ومسانداً، نتناجى في الغيب، تتوارد الخواطر وتتوافق، لتصل رسالة منك بنور شوقك ومحبتك؛ لتنثر في الليالي الورد، وليفوح المسك عطراً تعبق به الأيام.