أصبحت العقول بحاجة إلى زخم ثقافي وتوعوي، وجرعات مكثفة من الاتزان العقلي، والتوازن الفكري، فاليوم أغلب العقول تعيش خالية، مجوفة وفارغة لا تحمل إلا هواء «لا يُسمن ولا يُغني من جوع».
نحن بحاجة إلى عقول كالقناديل تُضيء وتشتعل نوراً كلما زادت العتمة، لتنير لنا الطريق، عقول ممتلئة، متشبعة بالتفكر والتبصر، والتمحور والتبلور وتحليل المعجزات، وتجليل المنجزات لاستدراك ما يدور حولها لإنتاج الجديد والفريد من نوعه.
لماذا نحن دائماً نعاكس ونشاكس أنفسنا، ونتناول جميع المواضيع من دبر، ثم نمضي في غياهب اللاوعي، ولواهب الحقيقة الغائبة والزائفة.
أصبحنا اليوم بأنفسنا نسهم في تخريم الذات، وتهشيم الأنا الإنسانية، لتصبح هشة ركة لا تقوى على المجابهة والمواجهة.
أصبحنا اليوم تلهبنا الأمور التي لا معنى لها، ونهول الأحداث، ونفبركها، لتصبح نكتة الموسم، ونرددها ونمررها بيننا سواء كانت على «تويتر» أم «انستجرام» أو أي برنامج آخر من برامج مواقع التواصل الاجتماعي.
هذه المواقع التي خُلقت مؤخراً من أناس عرفوا الحياة بمعناها الحقيقي، وأدركوا معنى الإضافة للناس «العادية»؛ وسنبقى نحن من يستلم الفكرة جاهزة ليقلبها، ويشقلبها رأساً على عقب.
فنحن أصبحنا اليوم نقضي وقتنا فقط بانتظار الحدث القادم لنا، لكي نروّج، ونهرّج، ونفرّج عن ما في داخلنا من تراكمات، وضغوطات نفسيه، ويصبح الحديث الأكثر تداولاً ما بين الصغار والكبار، في المجلس والصالة.
أصبحنا لا نفرق في المجلس ما بين الأعمار، لأن العقول أصبحت واحدة، لا تحمل فكراً، مجرد معلومات خفيفة جاءت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والجميع أصبح مشتركاً فيها.
وفي الصالة للأسف يتهاوى الكبار من أعيننا حين نراهم بهذه السذاجة العقلية، والسماجة الفكرية لما يحملونه في جعبتهم من تفاهات وخرافات.
نحن اليوم في دولة فازت ونالت وحازت، وصالت وجالت، وسطرت في بقاع الأرض قصيدة جزلة كلماتها أنشودة، طربت آذان العالم لها، طالما كانت تحت ظل قيادة رشيدة سديدة تحذو بخطوات شاسعة واسعة نحو آفاق وأحداق وأشواق الذين أحبوا بصدق، ثم أخلصوا وتفانوا، ووضعوا نصب أعينهم الوطن والمواطن.
يجب علينا نحن كآباء ومربين للأجيال القادمة التي ستكمل المسيرة، أن نكون بحجم الثقة التي أنيطت بنا، والأجيال القادمة بحاجة ماسة إلى آباء يسهمون في صياغة الاختزال الفكري، والبناء التوعوي الرصين، المتين، الرزين المبني على العلم، والثقافة، طالما كانت الثقافة ركيزة لنمو الذات.