دفء يُشبه ذلك الذي نشعر به عند احتضاننا مولوداً جديداً، أحاط بي بمجرّد أن وقع نظري على تلك الصورة، صورة الطفلة الطاجيكية مهينة غانييفا التي استردّت أنفاسها بعد عملية أجريت ثمرة لمبادرات محمد بن راشد العالمية، وهو ذاته من مشهد الطفلة المغربية مريم أمجون التي غلبتها دموع الفرح عند فوزها بلقب الدورة الثالثة من «تحدي القراءة العربي». كثيرون غيري من عبّروا عن روعة ذلك وبكل لغات الدنيا، لكن ما أتناوله في رمستي اليوم جانب آخر من هذين المشهدين.
مما جعل غانييفا تحتضن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، هو ذاته ما جعل مريم أمجون تختار حُضنه مكاناً لدموع فرحها، فهو في نظر الاثنتين قلب أتقن تحقيق الآمال، أملٌ في الشفاء والأنفاس الطبيعية وأملٌ في الفوز والتميّز لمجرد الاستمتاع بالقراءة.
القاسم المشترك بين المناسبتين، وغيرهما الكثير، هو أن تحقيق فرح الأطفال لم يتطلب سوى دعوة صناعة أمل آمن بها إنسان ونثرها في قلوب آخرين آمنوا هم بها كذلك، فتحوّلت لمسيرة خير على مدار أيام العام رأينا منها جانباً بسيطاً لكن عميق المعاني.
كثيرون من يرون أن العالم مليء بالكوارث والحروب والمصاعب وهي حقيقة لا أنكرها، لكن من يجعلون العالم مكاناً يستحقّ العيش هم أولئك الذين أتقنوا العثور على الخير أو العطاء البسيط الذي في قلوبهم وقدموه للعالم بصورة قطرة خير تروي مبادرات هنا وهناك تهدف لتغيير محيطهم ليتغيّر بها العالم.
ليس المطلوب أن نُتقن كل المهارات أو أن تتوافر لنا ميزانيات ضخمة لنحدث أثراً حولنا، ولكن أن نعمل ما نتقنه لنُسعد إنساناً في محيطنا فنسعد بسعادته وينتقل ذلك من شخص إلى آخر، فتصبح الابتسامة والسعادة بمساحة وطن ومنها للعالم.
أكاد أسمع صوتاً يقول إن وراء المبادرات التي أثّرت في الطفلتين ميزانيات ضخمة من دولة بمنزلة الإمارات، ولهم أقول هذا صحيح ولكن الأهم من هذه الميزانيات، كانت دعوة قائد إنسان عرف أن اجتماع أشخاص يؤمنون بهدف قادر على تحريك جبال الظروف والحجج. فإغاثة الطفلة مهينة احتاجت أطباء كرسوا أنفسهم للإغاثة، وفرحة الطفلة مريم احتاجت إلى أسرتها التي أهدتها اهتمامها بتشجيعها على القراءة ومدرسين آمنوا بتميزها.
لا تقللوا من قيمة أي مهارة أو معرفة لديكم مهما كانت بسيطة، فلا تدرون قد تكون تلك هي قطرات الخير التي ستصنع نهراً يروي حياتكم وحياة غيركم بالسعادة، التي تضيع أحياناً في تفاصيل الحياة المزدحمة. فهل لديكم من قطرات الخير ومن ستسقون بها؟