حين استمعت إلى أغنية فيروز (بعدها بعمر الهوى صغيرة) ورغم حبي لفيروز وزعمي بأنني قد سمعت كل أغانيها، وقد أسعفني الحظ وحضرت خمس حفلات لها، إلا أنني اكتشفت أنني لم أستمع إلى الأغنية من قبل، وكان أجمل ما شدني أو لامس وتراً عندي حين تقول:
بعدها بعمر الهوى صغيـرة         وقلبهــــا بالحب طفــل صغير
مش عارفة في بالدني غيرة       وحست بصدرا شي عم يطير
هناك إذاً حكايات كثيرة حول من تقع في الحب وهي صغيرة، وهناك قصص لا تحصى حول حالات الحب المشابهة، ومن بين تلك الحكايات حكاية فتاة وقعت في الحب الأول ولم تكن لديها معرفة مسبقة به، فلم يكن أحد ممن يحيطون بها يقدم لها النصح على حبها، بينما هناك الكثير ممن يرفض فكرة الحب، وقد استمعت إلى العتاب واللوم والتقريق والتهديد، ولكنها لملمت مشاعرها وأحبته، وجمعت قواها العاطفية وأحبته، وابتكرت كلماتها الأولى في الحب حين أحبته.
كانت تبحث عن صورة الحبيبة في الكتب، فقرأت كثيراً لتصبح واحدة من العاشقات، وتابعت مقالات الكتاب في وكل وسائل التواصل، لتعيش تجربة مقبلة عليها، وتعلمت ممن سبقوها من المحبين.
شاركته أحلامها وشاركها، كانت له فكان لها، ومع مرور الأيام والشهور والسنين، والحب ينمو بينهما، فقد عرف قبلها من النساء، ولكنها أيقنت بأنها حبه الأخير، وحبها الأول.
تراجعت أصوات العتاب التي كانت تحاصرها، بعد أن أيقن الجميع بأنها صادقة فيما تريد، وأنها تعرف ما تريد، وتحول كل صوت معارض إلى صوت مساند لها، لقد خلقت مساحتها الخاصة بها، ولم يكن في صراعها إلا من أحبت، ولم يخذلها كما ظن الكثير ممن حولها.
أحبته وكانت تريده أن يحبها ربع حبها لتكون أسعد امرأة، ولكنه بادلها الحب كاملاً وليس ربع ما أرادت، فكان لها كما كانت هي له، وثقت به ووثق بها، أمنت معه وأمن معها، حتى أصبحت بينهما من القصص والحكايا، ما يعظم سرده.
كثيراً ما قرأا معاً قصص العشاق في التاريخ، وأحسا معاً بأن قصتهما أعظم، ولو قُيض للتاريخ أن يكتبها، لكانت من القصص الخالدة، ومازال هناك متسع من الوقت ليكتب التاريخ، فلم تقفل أبوابه أمام أي حالة حب، وكما يسجل التاريخ قصص صانعي الحروب والدمار، وكما يدون التاريخ حكايا من قتل، فهناك مكان ليسجل التاريخ قصص من أحب، وقصص من صنع الخير، ولم يزل هنا عدد من المطربين الذين يستطيعون، أن يغنوا أغنية كتلك التي غنتها فيروز قبل خمسين سنة، ورغم أنها (بعدها بالهوى صغيرة)، إلا أنها صنعت تاريخاً كبيراً وحالة خالدة.

شـعر

قالتْ مراهقةٌ: أحبكَ

فلذا أحاذرُ مرغماً عني أحاذرُ كلما

فاستدرتُ إلى سنيني كم مضى منها

وثبَ الجمالُ المستبدُ وهالني

فقالت سنوني لن أجيبْ

صوتٌ يزاحمُ دورةَ الأفلاكِ في رئتي

قالت: أحبك ربما تدري ولا تدري

ليشتعلَ اللهيبْ

وأدري أنها ما جربتْ

ولذا أحاذرُ أن أعدَ سنيّها

هجرَ الحبيبْ

وهي التي تأتي كريحانِ البلاد إلى الغريبْ