غريبة قدرة بعض البشر على التلون والخداع، كما هي غريبة قدراتهم على استغلال قاموس اللغة لصوالحهم، فهذا القاموس يستخدمه الكاذب والصادق كما المجرم والبريء، وكثيراً ما تخدعنا حتى الملامح والعيون، فيصعب علينا اكتشاف الخداع إلا بعد فوات الأوان. لدرجة أننا في حالات معينة قد نفقد الإيمان بقدرتنا على التمييز بين الخير والشر، ونفقد ثقتنا بعقولنا من سهولة تعرضنا للمكائد.
ندرك تماماً أننا نعيش في عالم فيه الخير وفيه الشر، كما كان الحال دائماً وسيظل ليوم القيامة، فلا الخير يبقى ولا الشر يدوم، فالحياة تتقلب كما نقلب لعبة المكعبات بين أيدينا لترتيب ألوانها. نتجبر أحياناً كثيرة متناسين أننا مجرد مخلوقات على هذه الأرض ولسنا الخالقين، نريد ترتيب حيواتنا وحيوات من حولنا كما نرغب، متناسين القدر، نحكم على الناس بظواهرهم ومظاهرهم. نعيش في حالة انفصام ما بين السر والعلن، وما بين ما هو أمام المرآة وذاك الذي أمام البشر، نرفض الاعتراف بأن علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا قبل أن نكون صادقين مع من حولنا، فتظهر عقدنا جلية عند أول اختبار. ثم نصر على أننا أصحاء من الناحية النفسية، ومؤمنون من الناحية الروحانية، وتستمر الكذبة وتدوم. البعض منا يستطيع العيش في فقاعة كبيرة يملؤها بما يريد أن يصدقه عن نفسه، ويمارس ببراعة دور الضحية كما يمارس بنفس البراعة دور القديس، في الوقت الذي يكون فيه على العكس تماماً هو الجاني وهو الشيطان. هؤلاء من ننخدع بمظاهرهم وكلامهم ونتعاطف معهم لدرجة الوجع، ثم نكتشف لاحقاً أننا نحن من كنا بحاجة إلى المساعدة لا هم. ترى هل الذي تعود على أن يسامح ويصدق ويعفو يمكن للضربات التي يتعرض لها أن تقويه، أم أن الموضوع له علاقة بالجينات في أحيان كثيرة، ولا فائدة من نصحه؟