ما الذي يحدث حين نخلط الدين بالسياسة؟
كأن نخلط الإيمان بالمصلحة، والإيمان تصديق قلبي ينعكس على المسلك المشهود، ويصادق المشهود على القلبي، في حين أن المصلحة علاقة بين طرفين أو أكثر تتجه إلى منفعة من نوع ما، مع شيء من الخسارة، أو التنازل عن أشياء لكسب أشياء، في معادلة تتحرك بحسابات تعود لحال كل طرف مع الصفقة.
وهنا سنسأل عن موقع الدين في هذه المعادلة، وهل للدين أن يدخل في لعبة المصالح وظرفياتها، بما أن السياسة لعبة مصالح في الدرجة الأولى والجوهرية، ومشهودها لا يصادق على مضمرها، وإلا لفشلت كل الصيغ السياسية لتعرضها للانكشاف أمام الطرف المقابل، وانتفت الحنكة والدهاء، بينما هما أهم سبل نجاعة السياسة مثل ما أن الحرب خدعة.
وهناك مثال تاريخي كاشف حين أطلق الخوارج مقولتهم (لا حكم إلا لله)، وهذا حق تام ومطلق، حسب المعنى الإيماني، لكن علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) لم تخدعه المقولة، وكشف أنها سياسية وليست دينية، ولذا رد عليهم بقوله: كلمة حق أريد بها باطل.
هنا دخلت اللعبة السياسية بما أنها صفقة مصلحية لا يصادق المشهود فيها على المضمر القلبي، فتحولت من حق أكيد إلى باطل أكيد؛ لأنها تقوم على معادلة تختلف عن معادلة الإيمان، مع صوابية الجملة، لكنها جملة في خطاب سياسي، وليس خطاباً دينياً، وهنا جرها سياق الخطاب إلى منطقة الباطل.
وعبر هذا المثال سنرى عياناً كل حالة جرى فيها مزج الدين بالسياسة ليتحول الحق إلى باطل بسبب مزيج مغاير لمكونات الممزوج، كما نمزج عصيراً خالصاً بمادة أخرى فتغير تكوينه حسب المادة المضافة إليه، ولذا فإن الصراع المفاهيمي يظل محتداً كلما استخدمت فئة الدين للتوظيف السياسي، مما يعيد مقولة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، إلى واجهة التعبير ونرى عياناً كيف يتحول الحق إلى باطل، كما يحدث في كل حال لا تكون شواهدها مصداقاً لبواطنها، وليست السياسة إلا باطناً يتوسل بظاهر براجماتي يتحول حسب متطلبات المصلحة المتوخاة منه، وليس الدين كذلك أبداً بما أنه تنزيل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولكن الباطل يتلبس بالحق، وقد ينخدع به الكثيرون، لكن رجلاً مثل علي بن أبي طالب لم ينخدع.