بعد أن كان الطفل العربي مكتفياً بما ترفده له وسائل الإعلام المرئية من برامج تُحاكي طفولته، إضافة إلى ما يقتنيه من ألعاب منتشرة في الأسواق، حوله التطور التكنولوجي إلى مستهلك تقنية، همّه الوحيد اقتناء كل ما تراه عيناه الصغيرتان، وتخزين ما يراه في عقله الذي لا يتعدّى اللعب والاستمتاع به، بعد أن انهالت على الأسواق كل أصناف الألعاب التي أزاغت عيون الأطفال وأرهقت جيوب الكبار. ووسط معمعة التقدم التكنولوجي وجدواه في تهيئة الطفل العربي وتَقدّمه دراسياً، يبرز السؤال: هل استفاد الطفل العربي من الثورة التكنولوجية وسط تعامله اليومي مع أجهزة الأيباد والهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية؟

عقول مبرمجة
التكنولوجيا لا تؤثر فقط في طريقة تفكير الأطفال، بل وفي طريقة نموّ أدمغتهم وتطورها، حيث يؤكد الكاتب التكنولوجي نيكولاس كار قدرة القراءة على رفع مستوى التركيز والخيال في الدماغ، وقدرة التكنولوجيا على تحفيز الدماغ على تفحّص المعلومات وتخزينها بسرعة وكفاءة عاليتين، مع التركيز على أن نوعية التكنولوجيا التي تُقدّم للأطفال وطريقة تقديمها لهم، هما اللتان تجعلانها ضارة أو نافعة لعملية تطور التفكير لديهم، خاصة في السنوات الأولى من حياتهم.
عن ذلك تقول اختصاصية علم النفس والتربية والعلاقات الأسرية، الدكتورة نسرين خوري: «الطفل في الماضي كان يتمكن من الإبداع والتفكير أكثر، كون عقله لم يكن مُبرمجاً على منهج واحد يتلخّص في أفلام «الرسوم المتحركة» و«ألعاب الكمبيوتر»، حيث كان الوقت الذي تُخصصه وسائل الإعلام للطفل قليلاً جداً بما يتناسب وتوقيت الدراسة، مما جعل الأجيال في الماضي يهتمون بدراستهم وتوجّهاتهم العلمية وابتكاراتهم، كما كان الطفل في الماضي أكثر براءةً وانغلاقاً على العالم من حوله».

تأخر النمو الإدراكي
تؤكد د.خوري أن مُشاهدة الكثير من العنف، عبر تلك الألعاب و«الرسوم المتحركة»، تؤثر في النمو الحسّي للأطفال، موضحة: «يتعرض الأطفال الذين يُفرطون في استخدام التكنولوجيا و«ألعاب الفيديو»، للعديد من المشاهد العنيفة التي ترفع معدل الـ«أدرينالين» ومستويات التوتر لديهم، وذلك لعدم قدرتهم على تمييز حقيقة ما يشاهدونه». وتضيف: «إن هذه الوسائط، خلافاً لما يتوقعه الآباء، يمكن أن تؤدي إلى تقليل الذكاء والابتكار لدى الطفل». وتوضح د.خوري: «الإجابات الجاهزة بمجرد الضغط على الشاشات يمكن أن تؤثر في نمو الطفل الوجداني، وتحد من الإبداع والتفكير في حل المشكلات بشكل منهجي».

تحصيل معرفي
تقول طبيبة الأسنان الدكتورة رنا عريضة، (أم لطفلتين): «من جهتي أحرص على أن تُجيد طفلتَاي التعامل مع تقنية تكنولوجيا المعلومات، لكنني في الوقت نفسه لا أنكر شعوري بالخوف منها، والتحدي الحقيقي الذي يواجه الأهل يكمُن في إيجاد وسيلة لمساعدة أطفالهم على الاستفادة من التكنولوجيا المتطورة، والقدرة على استخدامها للتحصيل، إلى جانب ضمان أن يعيشوا طفولتهم بشكل كامل وآمن، بعيداً عن آثار العنف والخيال الذي تُصدّره لعقولهم».

النمو الذهني
أصبحت الأجهزة الرقمية والإلكترونية جزءاً من حياة الأطفال. وما يميّز جيل المعلوماتية عن غيره من الأجيال، كما يوضح رئيس قسم علم الاجتماع في الجامعة الهاشمية، الدكتور حسين محادين: «يُدرك الخبراء فائدة استخدام الأطفال أجهزة التكنولوجيا المتطورة، وقيمتها في نموهم الذهني والنفسي. فبرامج الكمبيوتر المعلوماتية والوسائل التقنية الأخرى المتعددة، تفتح آفاقاً جديدة أمام الأطفال لم تكن مُتوافرة من قبل».
ويضيف د.محادين: «الأطفال الأقل من عمر سنتين ونصف السنة يمكنهم التعلم من التفاعل المباشر أكثر من التلفزيون أو الـ«فيديوهات» المصورة. ولكن هناك بعض الدراسات الحديثة التي بيّنت أن الأطفال يمكنهم التعلم من خلال بعض التطبيقات الحديثة الخاصة بالهواتف الذكية، مثل «تطبيقات الكتب الإلكترونية الناطقة»، التي تُعلم الطفل النطق بشكل سليم ومُحبّب من خلال شكل جذاب، وذلك للأطفال من عمر سنتين ونصف السنة، وحتى مرحلة ما قبل المدرسة».

مشكلات صحية
يشير أخصائي التغذية ومشكلات السمنة، الدكتور يوسف صوان، إلى أنه حتى الآن لم تتوافر دراسات كافية حول مدى الأمان من الإشعاعات والموجات الـ«كهرومغناطيسية» الصادرة عن الأجهزة المحمولة، وخطورة التعرض لها في سن مبكرة، وما يمكن أن تسببه من مشكلات صحية، لكنه ينصح الآباء بأفضلية ألا يتعرض أطفالهم في سن مبكرة لاستخدام الهواتف الذكية. ويقول: «هناك تأثير مُقلق للتكنولوجيا في الصحة بسبب تغيير نمط حياة الأطفال». ويختتم د.يوسف صوان قائلاً: «كما لاحظ المعلمون أيضاً قلة انتباه الطلبة بسبب هذه التكنولوجيا، إذ يجدون صعوبة في التركيز نتيجة التغذية السيئة وقلّة الحركة».

دراسات
ربط العلماء بين الاستخدام المفرط للتكنولوجيا، مع رفع احتمال حدوث سُلوكيات خطيرة لدى الأطفال وغيرها من تقلبات المزاج، كما ربطوا بين الاستخدام المعتدل للتكنولوجيا وقدرتها على تنمية عدد من المهارات المعرفية والاجتماعية، في حين نُشر العديد من الدراسات التي توضح الآثار السلبية والإيجابية للتكنولوجيا في هذا المجال، ومنها:
• أفادت دراسة نُشرت في «أرشيف طب الأطفال واليافعين» في عام 2010، بأن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا كسر الروابط العاطفية بين الآباء وأطفالهم، بينما حافظ الاستخدام المعتدل لها على هذه الروابط.
• خلصت الدراسة التي نشرتها أستاذة علم الحركة والترويح في جامعة ولاية إلينوي، كيلي لورسون، إلى أن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا زاد نسبة الدهون لدى الأطفال، إضافة إلى تناقص ساعات النوم لديهم، والعكس صحيح.
• أفادت الدراسة، التي نُشرت في جامعة كوين بكندا، بأن المتطوعين الذين استخدموا التكنولوجيا من بين ثلاث إلى أربع ساعات في اليوم، كانوا أكثر عرضةً بنسبة 50% للوقوع في سلوكيات خطيرة، كالتدخين وتعاطي المخدرات.
• أما من وجهة نظر إيجابية، فقد أفادت بعض الأبحاث بأن مواقع «التواصل الاجتماعي» و«ألعاب الفيديو» تنمي أنواعاً مُحددة من المهارات.