إن اجتماع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالنخب الثقافية والفنية السعودية، من مفكرين وأدباء ونقاد وكتاب وممثلين وموسيقيين ومغنين، وسط جدة التاريخية مؤخراً. أمر يشير إلى جدية الدولة في الرهان على قطاع الثقافة والفنون في المرحلة المقبلة، وربطه بالمشروع الوطني للنهضة والتنمية في المستقبل، كي يلعب دوره المطلوب في صياغة هويتنا الثقافية والفنية عالمياً إلى جانب استثماره في تأهيل المجتمع السعودي على النحو الأمثل، ليقدم نفسه بصورة متطورة وحديثة تعكس مقدراته الثرية.
ومما أثلج صدري أن هذا اللقاء جاء بعد سلسلة من الجهود المبذولة طيلة الفترة الماضية، التي لا تتجاوز الحول وعقد لقاءات عدة لوزير الثقافة مع الفنانين والمثقفين والأدباء وهو ما كان مغيباً. من أجل ترقية دور الخطاب الثقافي والفني السعودي محلياً وخارجياً، أتيحت فيها الفرص للأطياف الموجودة في الساحة السعودية، لإيضاح ما يملكونه من محتوى. وسط اهتمام ملموس من وزارة الثقافة المعنية بهذا الدور المناط بها رسمياً، في ظل وجود تفسيرات متعددة ومناقضة لما هو مطلوب قياساً بنوعية وقيمة المعرفة المتوفرة، وضعف المنتج المقدم للمتلقي، لذلك سررت أيما سرور وأنا أرى القامات الفكرية والثقافية والفنية التي تليق بالوجود في صدارة اهتمامات السلطات المعنية بصناعة المحتوى الذي سيمثلنا أمام الآخرين في الرأي العام الخارجي.
وبالنظر إلى لقاء ولي العهد السعودي، حفظه الله، بالمثقفين والفنانين والأدباء والممثلين والموسيقيين والمسرحيين والنقاد، بحضور وزير الثقافة فقد جاء مغايراً البتة لكل اللقاءات السابقة، إذ إن وجود شخصيات بقيمة سعد البازعي وسعيد السر يحيى وعبد الله الغذامي، إلى جانب الموجودين يعطي مؤشرات إيجابية كبيرة للعناية الفائقة، التي تنظر من خلالها الدولة إلى ضرورة أن يكون دور القطاع الثقافي والفني، مبنياً على أسس متينة وذات صفة شمولية لبلورة الأطياف كافة في هذا الشأن، تحت مظلة صيغة واحدة معبرة ووافية عن منسوبي هذا القطاع، لتكون منطلقاً لنهضة تصل إلى الأرجاء كافة في المناطق والمحافظات والهجر والقرى لتحقيق النمو المطلوب أسوة بالقطاعات الأخرى، التي كان لها حضور مشرف من قبل في خدمة الوطن والمواطن، وتمثيله في الأحداث والفعاليات والمناشط المختلفة على المستويات كافة. وعندي ثقة عالية ويقين كبير بأن اللقاء ستتضح فوائده قريباً بعد أن تعلن وزارة الثقافة عن الخطوط العريضة لهذا اللقاء الكبير.
بحكم اهتمامي بالموسيقى، تبادرت إلى ذهني العديد من التساؤلات لاستثمار هذا اللقاء، الذي شارك فيه الفنان محمد عبده والملحن طلال باغر والملحن عبد الرب إدريس، من قبل الموسيقيين والفنانين لطرحها على ولي العهد الأمين وهي على النحو التالي:
هل تحدث الفنان محمد عبده عن الواقع الذي يعيشه الفنان والموسيقي طيلة الفترة الماضية، وافتقاره إلى أبسط حقوقه؟ في ظل الأهمية العالية التي يمثلها الفنان في تنمية الحياة الاجتماعية، وترقية الوعي والذوق والحفاظ على الهوية الوطنية عبر العمل الفني أياً كان، والحث على تكريسها في ذهن الأجيال بقوة وصياغتها على النحو المشرف، وبما أن الدولة قد أعلنت عبر مشروع الوطن الكبير للنهضة والتنمية 2030، عن انطلاق بناء المؤسسات الفنية من معاهد وكليات وأكاديميات تحت مظلة مركز الملك سلمان للفنون، والحاجة الماسة للبدء بالمعاهد الموسيقية بالذات لتأهيل الموسيقيين السعوديين والاستفادة من الذين يملكون الخبرة في هذا الشأن، من أجل بناء الفرقة الوطنية للموسيقى ومثلها في المسرح والدراما وكذلك في الفن التشكيلي، فالحاجة ماسة جداً لوجود متحف للفن التشكيلي السعودي أتمنى أن يكون قد طرح ذلك خلال اللقاء لنسمع به قريباً، وأتطلع إلى استمرار لقاءات مسؤولي الدولة بالفنانين ففي ذلك حافز كبير لهم للإبداع.