كما عوّدنا حلّ ضيفنا عزيزاً ورحل سريعاً، ولكنه ترك وراءه عادات وبرنامجاً يومياً مختلفاً، كثيرون رأوا فيه فرصة لاستعادة توازن الجسم وتخليصه من تراكمات عام مضى، فكان لهم بمثابة مستشار غذائي، واستمتعوا بمرافقته للمشي أو التمارين الرياضية فكان لهم مدرباً رياضياً، وللبعض مرّت الأيام بحضوره من دون تغييرات جذرية في أسلوب ونمط الحياة، ولآخرين كان قدومه مناسبة للمبالغة في الولائم والإفراط في الطعام، رغم أن ضيفنا لم يطلب ذلك. هنا لا أتحدّث عن صديق ولكن عن شهر رمضان المبارك الذي ودّعناه هذه الأيام.
في رمستي هذه المرة لا أناقش روعة وبركة روحانيات الشهر الفضيل، ولكن أتحدّث عن النقلة النوعية التي أحدثها رمضان في أسلوب حياة البعض منّا، وكيف أهدانا نظاماً غذائياً تحقق تلقائياً بمجرّد صيامنا، وكيف أدخل عادات رياضية لدى بعضنا وعززها لآخرين، إضافة إلى العلاقات الاجتماعية والتقارب الذي أحدثه، فهل سنطوي صفحة هذه النقلة الإيجابية النوعية في اللحظة التي ودّعنا فيها رمضان، أم نقبل كل ذلك هدية للعُمر ونواصل ما بدأناه لنستقبل رمضان المقبل أحسن مما كُنّا جسدياً وروحانياً؟
بطبيعتي أحبّ الرياضة وأواظب عليها طوال العام، لكن لشهر رمضان خصوصية بأن نتائج الرياضة أسرع وتنعكس على نفسيتي ونظرتي إلى الأمور، فمثلاً حرصت على التمرين قبل وقت الإفطار، وهو ما يجعلني أشعر بأن يوماً آخر بدأ بعد الإفطار. أما على مستوى النظام الغذائي فلا أنكر أن كثيراً من ألذ الأطباق مرتبطة بحلول شهر رمضان، لكني لم أستسلم أمامها، وأعطيتها نصيبها ووجدت مساحة كبيرة لإعادة ضبط عاداتي الغذائية.
كُلي ثقة بأن ما حدث معي مجرّد جانب بسيط من جوانب وقصص أروع حدثت لكثيرين، ولكن الفرق الجوهري لنا جميعاً هو صراحتنا في الإجابة عن سؤال مهم هو: هل هذا تغيير لشهر واحد عارض، أم هدية رمضانية سنحتفظ بها ونبني عليها حتى موعدنا التالي مع الشهر الفضيل؟
مقارنة بسيطة بين سهولة بدء عادات غذائية صحية وإدخال الرياضة حياتنا في رمضان مع غيره من الأيام، تُرجّح الكفة لمصلحة رمضان. فمن يريد بدء عادات غذائية جديدة سيصطدم بصعوبات منها أن الجميع يأكلون براحتهم والمغريات أكثر منها في رمضان، بينما الصوم جعلها عادة يومية. وكذلك الرياضة خارج الشهر الكريم مؤثرة، لكن ليس كتأثيرها عندما تترافق مع الآثار الفسيولوجية للصوم. لذا يبقى السؤال الأهم من منّا اغتنم الفرصة؟