لم تكن تجربة بيكاسو بسيطة في علاقاته النسوية. فقد عاش تجربة غنية إنسانياً، ولكنها خلفت أيضاً في مساراتها لوحات كثيرة مستوحاة من تجارب حبه الكثيرة، التي تعددت ومعها اتسع منجزه الفني الكبير الذي لا يزال إلى اليوم جزء منه عند الخواص. لكن هذه التجارب خلفت أيضاً ضحايا كثيرات وصلت حد الانتحار (ماريا تيريزا)، إحدى عشيقاته اللاتي تضررن منه سمت كلبها بيكاسو انتقاماً منه. تزوج بيكاسو العديد من المرات إلا أن شيئاً فيه كان مضاداً لهذه المؤسسة التي كانت تسرق منه حريته على الرغم من محاولات عدة لتحملها. لم يستقر بيكاسو على امرأة واحدة حتى نهاية حياته. لهذا أثارت تركته الفنية جدلاً كبيراً بعد وفاته، بين الزوجات والحبيبات والأبناء الشرعيين وغير الشرعيين؟ من الأحق؟ ومن لا حق له؟ واحد من أهم لقاءاته الأولى، حبه لفرناندا أوليفيا في سنة 1904. أقام معها علاقة استمرت زمناً طويلاً ولم ينفصلا إلا في سنة 1916، عندما افتضحت العلاقة ولم يعد فيها ما يمكن إخفاؤه. كان يحبها، وكانت ملهمته الكبيرة في البداية، إذ ترك حضورها أثراً واضحاً على لمسته الفنية. الفضيحة لم تكن السبب الأوحد في انفصال بيكاسو عن فرناندا. فقد تعرف إلى امرأة ستلعب دوراً حاسماً في حياته: راقصة الباليه الروسية أولغا خوخلوفا، التي سحره جمالها، وأناقتها ورقصها. لم تكن امرأة عادية، فقد اخترقت حياة بيكاسو لدرجة أن ارتبط بها كلياً. لم يعد يرى حياته خارجها. واشتغل مصمماً للباليه من أجلها. وظل منكباً في لوحاته على وجهها وجسدها وحركاتها. تزوجا في سنة 1918 بعد أن لامسا الرابط العميق الذي كان يجمعهما. استمرت العلاقة 17 سنة كاملة. ليفترقا في سنة 1935 تحت إصرار أولغا. لم يتخيل بيكاسو أبداً حياته من دون راقصة الباليه، التي بقدر ما كانت عنيفة، كانت متوازنة. عملاقان يتنافسان في مدارات الفن العالمي. فجأة يلتقي بيكاسو شابة، ماري تيريزا، مليئة بالحياة. لم تكن لا نظراته ولا نظراتها عادية. عندما رأتها أولغا، عرفت أن هذه المرأة ستكون قدرها القاسي. حاولت إبعاده عنها لكنها لم تفلح. بل كانت كلما حاولت إبعاده عنها، عمقت علاقته بها. بدأ يرسم بجنون، وفي كل مرة كانت تطغى ملامحها على اللوحة. حتى عندما حاول إقناع أولغا بأنها ملهمته في كل لوحاته، سخرت منه، لأنها كانت تعرف الحقيقة المبطنة والظاهرة. اللوحة التي رسمها وأهداها لها، رفضتها لأنها ليست ملامحها، وإنما الفتاة الصغيرة المغرية، ماري تيريزا ذات 18 سنة. الذي دمر أولغا وجعلها غير متسامحة معه نهائياً، عندما عرفت أن ماري كانت حاملاً من بيكاسو بابنتهما: مايا. وعلى الرغم من إصراره على البقاء مع أولغا، إلا أنها اختارت الطلاق. أنهى بيكاسو في الوقت نفسه لوحته عن ماري تيريزا التي سماها: الحلم، في سنة 1936، جسد فيها كل ما كان يكنه من حب وجنون لماري تيريزا التي مسح وجودها كل ظلال نسائه السابقات. لوحة الحلم بيعت في سنة 2013 بمئة مليون دولار. لكن بيكاسو لم يتحمل هيمنتها على وجدانه الحر، ونوبات جنونها، فانفصل عنها في 1940. ويكون قد أنهى بذلك مرحلة غنية من حياته الفنية والإنسانية.