المشهود في النظرية النقدية أن الكل يدعي معرفتها، ولكنْ نادرون فقط هم من يبرهنون على دعواهم، والتطبيق دوماً هو البرهان أو العلة، وستبدو النظرية في حال امتحان لكل من استخدمها تطبيقاً، إن كان قد فهمها أو كان ضيفاً عابراً على عناوين النظريات فحسب.
هذا مثال نعرفه عن الوسط الأكاديمي وإعاقاته العلمية والبحثية، ولكنه يتعقد أكثر في فضاء الممارسات الكبرى للبشرية، وسنرى المبادئ الكبرى تجهض مع كل تطبيق تتعرض له في أرض الواقع، ومشروع تشومسكي عن إعاقة الديموقراطية يكشف عن حال المبادئ المدعاة في مواجهة الواقع، وقد قال تشومسكي صراحة لو أن الأسباب التي ساقتها واشنطن لضرب العراق عام 2003 طبقت على واشنطن نفسها لوجب ضرب واشنطن بالصواريخ العابرة، سواء بسواء، وهذا مثال على لعنة التطبيق حين يفضح النظرية، ومثله تحول الاشتراكية الشيوعية إلى لعنة على الشعوب بدل إنقاذها، كما حدث في الاتحاد السوفياتي (اللينيني والستاليني)، الذي استعبد الناس وحولهم إلى آلات مسخّرة تحت دعوى الشيوع، وفي تاريخنا لن ننسى تاريخ الخوارج، وهم أول من أفسد معنى الدين بتحويله إلى عنف منظم ومتعمّد.
وإن كان تشرشل قد وصف الديموقراطية ساخراً بأنها أفضل السيئين، وهذه حقيقة واقعية، فالديموقراطية تتلبس الباطل من حيث قدرتها على تغليف خطاياها؛ كأن تستعمر الأمم وتستعبدها تحت عنوان رسالة الرجل الأبيض، حسب دعوى كبلينج في قصيدته المشهورة، وفي دعوى نشر الديموقراطية والحرية، وفي حين أن الدكتاتوريات منبوذة أصلاً وتفصيلاً فإن الديموقراطية تصنع أخطاءها الخاصة تحت وشاح الحق والعدل، وفي ممارسات الأفراد تأتي الشاشة المفتوحة لتكشف عن عنف لفظي وسلوكي حتى عند أعلى الناس مقاماً في الظن العام عنهم، ولكن الكاشفة المكشوفة، كما هو وصفي لـ«تويتر»، تكشف عن علة التطبيق حين مواجهة لحظة الامتحان، وستجد من يقول بحرية التعبير والتفكير، لكنه يحجب كل مخالف له، ويعتبر ذلك حقاً له، وتشاركه إدارة «تويتر» هذا الإثم الثقافي وتوفر له خدمة الحجب، وهي تفعل ذلك اعترافاً منها بأن من شرط كسب المستخدمين، منحهم سلطة لممارسة دكتاتورياتهم الصغيرة. وهذا امتحان يومي لكل مستخدم لـ«تويتر» لكي يكشف عن ديموقراطيته أو دكتاتوريته مع المختلف والمعارض، وليس الحجب سوى قمع صغير يمارسه من لا يملك القمع الكبير، ولو تمكن من القمع الكبير لمارسه، كما تشير ممارسته اليومية إلى ضيق صبره على المخالف.