تورينو مدينة ملكية بقصورها، وتاريخية بمتاحفها، وغنية بثقافتها، برز منها أعظم المبدعين والفنانين والنحاتين، فيها من سحر البندقية وجمال نابولي، وحداثة ميلانو، تتالت وتعاقبت عليها حضارات عدة، تشكلت في زواياها عطور برائحة حضارة العصر الروماني، ولمسة أوروبية من العهد الباروكي وعصر الروكوكو، وأخرى شرقية خلّفها حنبعل وجيوش قرطاج، لتكوّن بكل ذلك مزيجاً حضارياً فريداً متنوع الثقافات.

تقع مدينة تورينو في مقاطعة بيمونتي شمال غرب إيطاليا، وتمتد مساحتها على 140 كيلومتراً مربعاً، بعدد سكان يصل إلى مليون ونصف المليون نسمة، وتعدّ ثانية كبرى المدن فيها من حيث المساحة.
يؤدي تاريخ المدينة دوراً مهماً في تطور القطاعات الاقتصادية في إيطاليا؛ كيف لا وقد كانت تورينو العاصمة السياسية المحركة لأوروبا بين عامي 1861 و1865، وقد أقامت فيها سلالة «سافويا» الملكية حين كانت تحكم صقلية، وأسست في تلك الفترة أجمل وأروع القصور الفخمة في أوروبا على يد المهندس المعماري الصقلي «فيليبو يوفارا» الذي كان له الفضل في إظهار فن الطراز الباروكي الملكي الجميل فيها.

مفترق تجاري
كما جعلها موقعها الجغرافي المميز بين فرنسا وسويسرا تتبوأ مكانة مهمة في المجال السياحي، دون أن ننسى قربها من جبال الألب، مما يجعلها أكثر استقطابا للسياح في موسم السياحة الشتوية، وقد سبق أن احتضنت تورينو الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2008. وقد أضافت محاذاتها لضفاف نهر «البو» في جعلها مفترقاً تجارياً مهماً في إيطاليا وأوروبا، وهي اليوم واحدة من أهمّ المراكز الصناعية في إيطاليا، وتحتلّ المركز الثالث من حيث القوة الاقتصادية للبلاد بعد كل من ميلانو وروما. ويكفي أنها المدينة الرئيسية المصنعة في إيطاليا للسيارات، حيث يتمّ فيها تصميم أفخم أنواع السيارات مثل «لانشيا»، و«فيات» التي تستحوذ بدورها على أفضل الشركات الإيطالية لتصنيع السيارات الرياضية الفخمة، وفي مقدمتها شركة «فيراري» و«ألفا روميو» و«مازيراتي».

معالم تاريخية
تضمّ تورينو العديد من الأماكن التي تستحق الزيارة، أبرزها ساحة «بيازا كاستيليو» التي تقع في منطقة «لافيا روما»، وتتمتع بمساحة مذهلة تزينها أربع نوافير ضخمة، تتقدم «قصر مداما» الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الـ18، سكنت فيه أرقى عائلات سافويا الملكية، ويقال إن سبب تسميته يعود إلى ابنة ملك فرنسا تشارل الخامس مداما، وقد أصبح بعدها مقراً للبابوية الدينية، تحيط به حديقة ساحرة، أنصحكم بالتجول طويلاً بين أحضان حديقة القصر التي ستأخذكم معها في رحلة إلى العصر الروماني؛ بفضل المنحوتات التي تتشكل على قارعة الطريق المحاذي للقصر الذي يعتبر أحد أبرز معالم تورينو التاريخية والسياحية على حد سواء، حيث كان يعد بوابة للمدينة في القرون الوسطى، ستندهشون عند زيارتكم له بأنه يضم داخله أحد أهم المتاحف الفنية الموجودة في إيطاليا بأسرها، يطلق عليه اسم متحف «الفن المدني للفن القديم»، يحوي مجموعة من أقدم المجوهرات الثمينة تعود ملكيتها إلى عائلة سافوي الحاكمة لإيطاليا حينها، ومجموعة أخرى تعدّ من أروع المقتنيات الفنية من لوحات تعود إلى القرون الوسطى، وقطع أثرية أخرى.

مدينة المتاحف
أول ما سيلفت انتباه الزائر لمدينة تورينو، كمية المتاحف الموجودة فيها، حتى بات كلّ من عاينها يطلق عليها الاسم ذاته «مدينة المتاحف»، لذا فعلى عشاق التاريخ والمتاحف، تخصيص وقت كافٍ لزيارتها؛ لأنها ستستغرق منهم زمناً طويلاً. وبعد مرورنا بالمتحف المدني، حان الوقت لاستكشاف «متحف إيجيزيو المصري» الذي يعد أحد أبرز المتاحف التاريخية الموجودة في المدينة، ويضم ثروة من أقدم المقتنيات الأثرية والتحف الفنية المصرية، يصل عددها إلى حوالي 3050 قطعة، من لوحات ورسومات فسيفسائية تكشف عن جمال الفن المصري الفرعوني الساحر.
لا بد لكم وأنتم في تورينو من زيارة متحف السينما المتربع في منطقة «مونتي بيلو»، ستجدونه عالماً آخر، ستدهشكم ضخامة المبنى الذي يضم ثلاثة طوابق مزينة بشاشات ضخمة، تعرض سلسلة من الأفلام الوثائقية والسينمائية وحتى الكرتونية الخاصة بالأطفال، مثل أفلام توم وجيري الشهيرة، كما ستدهشكم كمية الصور الفوتوجرافية المعروضة على الجدران والتي تعود إلى أول من عمل في التصوير الفوتوجرافي، بالإضافة إلى ضم المتحف غرفاً مظلمة تعرض الطرق البدائية لصناعة السينما، وتحريك الأفلام، وأجنحة أخرى تعرض مجموعة معدات سينمائية تعد الأقدم في العالم، فضلاً عن عرض لأشهر السينمائيين والممثلين من كل أنحاء العالم، وعرض أحدث الأفلام الحائزة على الأوسكار. يعود تاريخ بناء هذا المتحف الساحر إلى عام 1897، وهو من أضخم وأطول المباني الموجودة في تورينو، إذ يرتفع عن سطح الأرض بمقدار 550 قدماً، وهو نفسه برج «مول أنتونيليانا»، ويتصل المتحف بمركز تجاري ضخم، يصلكم بأعلى قمة في البرج، وهي قبة ذات إطلالة بانورامية مذهلة على المدينة، تتيح لكم التقاط أجمل الصور التذكارية.

شعبية وحميمية
تشكل الشوارع القديمة في تورينو، منعطفاً بارزاً في حياة السكان، حيث يخبئ كل شارع قصة ورواية تاريخية ما، سترون ذلك التجانس الملهم في جزئها القديم، وخاصة في المنطقة المسماة بـ«الرباعي الروماني»، سيأخذكم سحر ذلك الطريق المتراص بالحجر والذي يعيدكم إلى حقبة الإمبراطورية الرومانية، تتميز هذه المنطقة بأرصفتها الصغيرة التي تضم محلات وأكشاكاً شعبية وصغيرة متخصصة في بيع التذكارات، والمشغولات اليدوية والتقليدية، على طول الشارع، وستلفت انتباهكم حركة السياح التي لا تكاد تنقطع فيها، وهم يرتادون المقاهي والمطاعم الشعبية المنتشرة بكثرة كلما اتجهت شمالاً، وخاصة في منطقة «أورورا» التي تحظى بإقبال كبير من الزوار المتيمين بشعبية وحميمية المكان وسكانه، الذين يشكلون نسبة كبيرة من المهاجرين من مختلف الجنسيات والأعراق.
ولعشاق كرة القدم نصيب في تورينو، وخاصة محبي نادي يوفنتوس الإيطالي، الذي يبدو أن الكثير لا يعلم أن مقره الرئيس في تورينو، كما تمتلك المدينة أعرق الأندية الرياضية في العالم، إلى جانب نادي تورينو لكرة القدم. سيأخذكم الدليل السياحي في زيارة استطلاعية جميلة إلى ملعب «غراندي تورينو»، الذي غالباً ما يتدرب فيه أشهر اللاعبين في إيطاليا، وسيكون من جميل الصدف التقاط الصور مع أحد مشاهير الكرة الإيطالية هناك.

دليل القهوة
زائر تورينو، سيجد نفسه مشدوداً إلى رائحة القهوة الزكية، يظل يلاحقها مشياً وصولاً إلى ساحة روبيلان، ودون الاستعانة بدليل، سيكون أمام أحد أكبر وأحدث مصانع القهوة في العالم، وأي قهوة!؟ «لافازا» التي تثير الرغبة والشهية في النفس قبل تناولها، لذا ينصح الأدلاء السياحيون عشاق القهوة والمدمنين عليها، بزيارة المصنع للتمتع بالروائح المنعشة، ورؤية المراحل التي تتبع العمليات الآلية التي تمر بها حبوب القهوة من تحميص حتى وضعها وتخزينها في العلب، سيخرج الزائر وفي جعبته الكثير من المتعة والمعرفة، أما عقله فسيبقى يقظاً جراء كافيين الروائح الشهية.

مطبخ متنوع
تتمتع تورينو بمطبخ متنوع، وإيطالي بالدرجة الأولى، وهي غنية بأطباق الباستا من معكرونة الرافيولي والبولونيز والسباجيتي واللازانيا ومعكرونة ألفريدو، وتتنوع الكريمات مع تنوع الطرق التقليدية التي يتم من خلالها طهو جميع أنواع المعجنات، أما البيتزا إتاليانا كما ينادونها، فيوجد أنواع غريبة وعجيبة منها وهي ذات مذاق لن تجده إلا في إيطاليا المعروفة ببلد البيتزا والمعكرونة. هذا وتعرف مطاعم تورينو بتنوع أطباقها، وهناك الكثير منها متخصص بالأطباق المغربية والشامية وحتى الأوروبية. كما تحظى الحلويات في تورينو بإقبال واسع، خاصة فيما يتعلق بالشوكولاتة، وبأسعار مناسبة، خاصة تلك التي تباع في الأسواق المحلية المنتشرة في الساحات والأرصفة المجاورة للمدينة القديمة.