جلست وصديقاتي بعد وجبة إفطار رمضانية دسمة، نتجاذب أطراف الحديث، فتحنا مواضيع متعددة من السياسة إلى الاجتماع إلى العائلة إلى الاقتصاد، عرّجنا في حديثنا المتشعب على ما كان وما هو الآن. ففاجأهن حديثي عن أنني ما زلت أطبع الصور للمناسبات العزيزة وأحفظها في «ألبوم»؛ خوفاً عليها من الفقدان، وكي لا يغيبها النسيان، وبأنني ما زلت أدوِّن في مفكرة تفاصيل صغيرة لبعض يومياتي، أيضاً خوفاً عليها من الاندثار، سألتهن ما الغريب في تصرفي؟ أجابت أكثر من واحدة منهن أن هذا الموضوع عفا عليه الزمن مع التقدم التكنولوجي المتسارع، فصار بإمكاني أن أحفظ كل الذكريات على «هارد ديسك» أو أن أشتري مساحة في غيمة لحفظ أشيائي المهمة. ظناً منهن أنني لا أجاري العصر. مباشرة تذكرت الواقعة المشهورة حيث توفي «جيرالد كوتين» الشريك المؤسس لشركة «كواديريغا. سي. اكس.» لتداول العملات الرقمية، ولم يستطع أحد من الموظفين، ولا حتى زوجته، الدخول إلى جهازه المحمول الذي كان يدير منه أعمال الشركة، ببساطة، لأنه مشفر ولا أحد يملك كلمة السر، وتقريباً فقدت أرصدة تقدر بحوالي 190 مليون دولار كندي.
لنتخيل أن تضيع ذكرياتنا بسبب فايروس ما يضرب الهاتف المحمول، وأن نفقد النسخة الاحتياطية التي حفظناها على كمبيوترنا، أو الثالثة التي كانت على القرص الصلب «الهارد ديسك» وحتى تلك المحفوظة في غيمة ما في هذا الكون. نفقدها لو فقدنا كلمة السر. أو لو رحلنا قبل أن نستعرضها مع أبنائنا وأحفادنا. مع حالة الذوبان لأرواحنا في التكنولوجيا بحيث أصبحنا نرى أنه لا ضير لو هنأنا الجميع بالمناسبات العامة والخاصة عن طريق الـ«واتس آب» أو الـ«فيسبوك» أو غيرهما من التطبيقات. لا عجب أن يستغرب البعض أن هناك أناساً ما زالوا يحتفظون بذكرياتهم بالطريقة التقليدية، لضمان أن تُوَّرث من جيل إلى جيل.