غناءُ الطيور فرح، وصيدُها هواية، لكن ماذا لو كان بين الهواة فتاة؟ وماذا لو كانت هذه الفتاة من هواة حماية البيئة؟..
هكذا هي رابيل اللاطي، صيادة لبنانية تبتسمُ للطيرِ وهي تقتفى آثاره في طبيعةٍ يُغرّدُ فيها العصفورُ بلا مقابل ويرقصُ وهو يحتضرُ.

في خزانتِها أربع بنادق صيد وفي يدِها كتيب عنوانه «دليل امتحانات الصيد» وفي فمها كلامٌ كثير عن هواية تعلمتها من والدِها منذ كانت في سن الـ15 وتضيف: «نسكن شتاء في قضاء المتن، ونصطاف في شمال لبنان، ووالدي يهوى الصيد وعلّم أشقائي الصبيان أصوله وطريقته قبلي، علما بأنني الأكبر سناً. كنت أصطاد في البداية طيور «السنونو» و«الفري» و«المطوق»، أما عصفور «التيان» النادر فممنوع صيده. كبرتُ وأنا أمارس هذه الهواية، والهدف الأوّل منها العيش في الطبيعة وممارسة رياضة المشي فيها. فأجمل إحساس يُخالجني يوم أسرح في الطبيعة».

صيادة رقيقة
رقيقة تبدو رابيل، وتكاد تعجز عن دهسِ نملة، فكيف لها أن تقتل عصفوراً؟ تبتسمُ الصبيّة الصيادة لهذا السؤال وتجيب وهي تعودُ بالذاكرة لأوّل طلقة نحو طير يُحلّق في الفضاء: «في ذاك اليوم لم أكن أميّز بين الطائر الممنوع صيده والطريدة المسموح بصيدها. صوّبت بندقيتي وأصبت الطير وراودني شعور غريب، لم أفرح ولم أحزن، لكنني صرتُ أحسب كثيراً قبل أن أوجه طلقة على طير. وأصبحتُ أصطاد الخنازير البرية والأرانب والبط والوز».

المسموح به والممنوع
تعشقُ الصيادة رابيل الطبيعة، مما شجعها على أن تنتسب إلى جماعات كثيرة تهوى ما تهواه هي، إلى أن تم تنصيبها قبل عامين رئيسة وحدة مكافحة الصيد الجائر، في مركز الشرق الأوسط للصيد المستدام. واليوم بعد أن صارت رئيسة سابقة، تقول: «كل يوم أعلم عن هواية الصيد ما يستحق أن يُعلّم، فالصيدُ فن ومهارة لا هواية قتل. وهناك امتحان يفترض أن يخوضه كل صياد أو صيادة فيتعلمان كل الأصول وأنواع الطرائد المسموح بصيدها. فمثلاً يمكننا أن نصطاد في لبنان طير «المطوق»، شرط ألا يزيد عدد الطرائد على 50، ويمكننا أن نصطاد في رحلة الصيد الواحدة 20 طائراً من السمّان و25 طائر صلنج».
 
أخلاقيات الصيد
استعراضُ الطرائد التي يحصلُ عليها الصياد بعد رحلة صيد طويلة ممنوع أخلاقياً. ورابيل تشرح تفاصيل رحلة الصيد، قائلة: «نستيقظ ُباكراً ونأخذ معنا كلاباً ونستخدم طريقة مختلفة بحسب رحلة الصيد. فصيدُ الطيور يجعلنا نقصد «مقوص» بعيداً عن الناس، أما صيد الخنازير البرية فنقوم به في جبال ووديان نختبئ فيها إلى حين ظهور أحدها فنصطاده، بعد أن نتكلم معاً عبر أجهزة نحملها. الصيدُ جميل شرط أن ننفذه تحت القانون، والأجمل بالنسبة إلى الصياد الحقيقي ليس الحصول على طرائد، بقدر الإحساس بالطبيعة». تملكُ رابيل أربع بنادق و«جفت»، وتحب كثيراً اقتناء بدلات الصيد وتملك لكل رحلة صيد واحدة.  

صبر وانتماء
تبين رابيل أن رحلات الصيد تُعلّم الصياد كثيراً من الخصال، بينها: الصبر وحبّ الطبيعة والانتماء إليها والسيطرة على النفس، وتضيف: «أقوم برحلات خارجية كثيرة، وأحب رحلات الثلج في جبال لبنان. وأحرص على عدم ترك خرطوش صيد من مخلفات أي رحلة حفاظاً على البيئة». مؤكدة أنها أفضل من كثير من الصيادين الشبان، لأنها أنثى، وقلب الأنثى الصيادة أكثر رقة من قلوب كثير من الصيادين الذكور، وإن كان عشق هذه الهواية، بين الجنسين، واحداً.

أخلاقيات الصياد
تشير الصيادة رابيل اللاطي إلى أن الصيادين من الشبان يفاجؤون حين يرونها تحمل بندقية وتسرح في الطبيعة، ثم يرونها بعد عودتها أنثى بكامل أناقتها، مضيفة: «أبقى أنثى حتى وأنا أهرع وراء طرائدي، هناك أخلاقيات تعلمنا ألا نبتعد عنها كصيادين وصيادات ونسميها (أخلاقيات الصياد)، ومن هذه الأخلاقيات: وجوب عدم صيد الأرانب البرية ليلاً، في العتمة، وممنوع استخدام الضوء في وجهها. ويحق لنا صيد خمسة أرانب كحد أقصى في رحلة الصيد الواحدة. ثمة قوانين نحترمها كثيراً. وكوني فتاة لا يلغي مهارة النساء في الصيد، فالصيد مهنة أنيقة لا تلغي الأنوثة».