أسندت السيدة الستينية رأسها على كفها الأيمن، فيما تناثرت خصلات شعرها الأشقر على وجهها، قالت بمرارة وحزن:
لقد تعبت، طوال عمري أعطي دون مقابل، أسعى لخير عائلتي وأبنائي، كلهم غادروني، وبقي ابني الشاب ينتظر عملاً، وزوجي المتقاعد. أهملت نفسي، قصّرت تجاهها كثيراً في كل شيء. استكثرت عليها أساسيات الحياة.
صادف وجودي في ذلك الصباح لحظة تجلٍ لذات تلك السيدة، بوح ذاتي متحسر على ما مضى من عمرها. انثال البوح بعد أن أرتني نتائج عملية التجميل التي أجرتها مؤخراً، وحذاءها الثمين، وما اشترت من ملابس جديدة. كأنها تصالح ذاتها، تعتذر عما فعلته بها. هو صلح يحتاج إلى أكثر مما فعلت، إلى أن يتطهر بالتسامح مع الذات، بفهمها وبتعويض ما فات، بطريقة حكيمة متوازنة.
ليست تلك السيدة إلا واحدة ممن يخلطن في المفاهيم، بسبب قصور في التربية أو عدم التثقف، حيث جعلت حب الذات والأنانية وجهين لعملة واحدة! فكأن من يحب ذاته يصير أنانياً، وأن الأم لا بد أن تكون شمعة تحرق عمرها وأحلامها من أجل أن تنير حياة أسرتها، وأن دورها مرتبط بأبنائها وحياتهم، فإن غادروا عشها منطلقين بحب لعوالمهم الصغيرة الجديدة، ذوى شيء في داخلها، فقدت أهمية وجودها في هذا الكون؛ لهذا تصف بعض السيدات نفسها بقلة الأهمية وفقدان الدور. نريد للأم أن تكون نوراً يهدي دائماً، لا شمعة تحترق. هي نور يستمر، لخيرها وخير أسرتها ووطنها، وأن وجودها في الحياة لا ينحصر في دور الأم فحسب، فهي ابنة وزوجة، وعمّة وخالة، صديقة وجارة، موظفة، أدوار قد تناستها.
إن المحب لذاته يعيها، يدرك ما يعتمل داخلها، ما يشدّ أزرها، وما يضعفها، يوّجه لها الرسائل الإيجابية ويكررها، يحقق أحلامه ولو بعد حين؛ إيمانا منه باستحقاقه الحياة، بما يمكنه أن يصنع فارقاً مهماً، ولو في محيط عائلته وعمله.
المحب لذاته، يرى أين تتجه بوصلته الداخلية؛ لذلك يزداد حماسة للحياة، تلوّن أيامه، تشرق في عينيه، تنبعث في صوته فرحاً وحبوراً، يفيض عطاء على الآخرين باتزان وحكمة عميقة، فهو لا يظلم أحداً، لا يبخس حقاً، إنما يتوازن، حين يلبي حاجاته النفسية والروحية والثقافية والجسدية، كما يتفاعل بحب وبصيرة مع الآخرين.