كلمة الوقت يمضي من الكلمات المألوفة في حديثنا، حول أي موضوع يتم نقاشه، وهي حقيقة واقعة يؤكدها الوقت ذاته، وتؤكدها صيرورة الحياة، فالوقت خلق ليمضي، ولكنه أيضاً وجد في حياتنا لنؤدي كل الأعمال التي نحب، والأعمال التي نريد لها أثراً فيما بعد.
وحين تكون حقيقة أن الوقت يمضي، فلا بد أن ننتبه إلى أن الوقت هو أعمارنا التي تمضي، وليس بيننا من يريد من عمره أن يمضي بكل ما فيه، من دون أن يبقي شيئاً عزيزاً عليه، أو يبقي شيئاً سيحتاجه مستقبلاً.
ما الوقت الذي نقول عنه إنه سيمضي؟ إنه أعمارنا وذكرياتنا وحياتنا ونجاحاتنا وخيباتنا، وهل الإنسان إلا كل هؤلاء؟ فإن كان الوقت لا بد أن يمضي كعادته، وكما يعد وكما يفي بوعده دائماً، بأنه سيمضي إلى غير رجعة، فإنني لا أريد من الوقت أن يمضي بذكرياتي جميعها، ولا أريده أن يغادرني من دون أن يترك لي مساحة كبيرة أحتفظ بها، مساحة عصية على النسيان، وعصية على المغادرة إلى غير رجعة.
ليمضي الوقت كما يريد، وكما هي صيرورته الكونية، ولكنه ليس من حقه أن يأخذ ما شاء من عمري، فحين يكون من حقي أن أعترض عليه، فلا بد لي من عمل يجعل الوقت يقف احتراماً لي لأنني لم أستسلم له، ولم أكن على قناعة بأن الأمر ليس بيدي، وأنني مجرد عابر في قافلته السائرة على مدار الثانية والدقيقة والساعة والأيام.
ومما يشكل قناعة عندي، هو أن الوقت ليس متسلطاً عليه رغم سيرته الذاتية التي تشير إلى أنه لا يعير أحداً، ولا يتوقف من أجل أحد، وما أعرفه تماماً أنه يحترم من يريد أن يبقي أشياء تخصه، ومن يريد لأحاديث ولصور ولأحداث أن تبقى حرارتها دفئاً عند صاحبها، ويغادر هو كعادته محملاً بما تيسر له من أمتعة الناس والكائنات والدول.
وما أعرفه أنه ربما يشعر بالرضا لمن تخلف عن السير في ركبه، ويقف احتراماً لحالة حب بقيت رغم قسوة الحياة، ولم تمضِ مع الوقت، ولصداقة حاصرتها المشاغل والمصالح ولكنها ظلت باقية صامتة، وبأن الوقت يتمنى أن يبقي رد الجميل خالداً بين الناس، وألا يكون هناك عمل جميل، فيغادر من دون أن يكون هناك رد لهذا الجميل.
رغم ما نصف به الوقت من قسوة، أنه يمضي من دون مراعاة لظروف الناس، فإنني أرى أن الوقت يتمتع بالشهامة والمروءة والنخوة والإيثار، حيث يجد من يريد أن يحارب الوقت في رحيله، ومن يقف على ناصية الطريق يراقب الوقت يمضي من دون أن يأخذ منه كل شيء، ليأخذ ما شاء مما نريد نسيانه، ليأخذ أحزاننا ويمضي، ليأخذ قلقنا، يأسنا، فشلنا، ولكن حذارِ من أن يأخذ ما نحب، حذارِ من أن يأخذ أعمارنا التي عشناها بحب وأمان، ونحرص على أن يبقى الحب والأمان الذي بنيناه على سعة أعمارنا التي سنعيشها، من دون أن نفقد الأمل في أن تبقى بعدنا كذكريات عصية.

شـعر

خُلقَ الوقتُ ليمضي

دون أن يرمش جفناً

وخُلقنا كي نراه

يحمل الساعاتِ يمضي في خطاه

مرةً يمضي إلى الموتِ وحيداً

حاملاً شنطةَ أسفارٍ وبعض الذكرياتْ

مرةً يرتادُ بالموتِ حياة

دون أن تتعبَ من حملٍ يداه

صادقٌ بالوعدِ هذا الوقتُ

فكن اللصَّ لكي تسرقَ وقتاً

ما أخلفَ وعداً أو جفاه

قبل أن يمضي وتبكي من جفاه