كنت أقف هناك عند حافة البدايات أتأمل معطيات الحياة، وأحاول أن أجد الإجابات عن تلك التساؤلات التي كانت تدور في ذهني، وأنا أتلمس طريقي فيها منذ كنت طفلة صغيرة تواجه الكون بالاستكشاف، والبحث وراء الإجابات لكل تلك التساؤلات، التي كانت تبدو لي مجرد ألغاز معرفية لا توجد لها إجابات. ظللت أبحث عن الطريق للإدراك والفهم والإجابة عن تساؤلاتي حول الحياة. وفي لحظة فارقة من الحياة ومع لقاء أول كتاب أدركت طريقي نحو الإجابات وكان دليلي في عالم المعرفة هو الكتاب.
ومع كل يوم كنت أقرأ فيه كان يتسع عقلي وينمو ويتخطى حدود العالم، وتُبنى الأفكار في عقلي، وكانت القراءة طريقي نحو إدراك العوالم الأخرى، وبناء رصيدي المعرفي، وكأن الكتب حجارة تبني قصراً للمعرفة، يسكن فيه العقل يحوي الكثير من الغرف، وفي كل غرفة يستقر كتاب قرأته ومع كل كتاب جديد تفتح غرفة جديدة، لتدخل عقلي أنوار المعرفة لينمو، فهو بناء لا يتوقف عن النمو إلا حين نتوقف عن القراءة، وطوال تلك السنوات كان هناك سؤال ملح في ذهني بحثاً عن إجابة، وهو هل القراءة هي الكتاب فقط؟
قديماً كانت القراءة هي الكتاب فقط، لكن الآن اختلفت معطيات الحياة وتغيرت وتنامت وسائل الإنسان للبحث عن المعرفة.
لم تعد الكتب هي المصدر الوحيد للقراءة، ومن الخطأ أن نحصر فكرة القراءة في الكتاب فقط، وإن ظل الكتاب هو أهم رافد من روافد المعرفة، وأهم عنصر في المعادلة القرائية في حياة الإنسان، لكن لا بد أن ندرك أنه مع حالة التطور التكنولوجي المتسارعة التي طالت العالم في السنوات الأخيرة، صارت للقراءة وسائل أخرى، فالحوار بين الأفراد حول القضايا الفكرية هو قراءة. وشبكات التواصل الاجتماعي أصبحت مصدراً للقراءة والمعرفة. والتأمل في صورة أو لوحة، ما هو إلا قراءة ومصدر للمعرفة. لذلك فإن الإنسان القارئ لا بد أن يدرك كل تلك الوسائل التي يزيد بها رصيده المعرفي، ولنخرج من هذا المفهوم الضيق للقراءة بأنها تساوي الكتاب فقط، لننطلق في عالم أرحب من مفهوم القراءة، فهي تساوي الكتاب وأشياء أخرى.
(اقرأ.. تأمل.. اسمع.. تكلم) تلك أركان القراءة الحقيقية التي تمهد طريقك نحو عالم المعرفة.